والعصيان هو العرف وطريقة العقلاء في استخدام الموالي عبيدهم ، ونحن بعد ما راجعناهم نجدهم مطبقين على عقاب عبد مأمور بشيء في وقت مع ترك مقدّمته قبل ذلك الوقت ، بل الانتظار إلى ذلك الوقت إنّما يعدّ لغوا عندهم فيما هو المفروض من امتناع الفعل بعده.
نعم ، فيما لو كان الفعل محتمل الحصول بعد ترك المقدّمة كان الوجه هو عدم الاستحقاق إلى أن يحصل الامتناع ، إمّا بحضور الوقت أو بغيره. لكن قد عرفت أنّ الكلام ليس على هذه الملاحظة.
وقد يقال : إنّه يصدق على التارك للمقدّمة قبل حضور زمان ذيها أنّه حقيقة ترك نفس الفعل في وقته فليس ذلك من قبيل تقدّم المعلول على العلّة ، فيصدق على من لم يخرج مع القافلة الأخيرة أنّه ترك الحجّ في ذي الحجّة.
وفيه نظر ؛ لأنّ الفعل الملحوظ وقوعه في وقت تارة يكون انتفاؤه بواسطة انتفاء الوقت ـ إمّا لعدم حضوره ، وإمّا لانقضائه ـ وتارة يكون بواسطة انتفاء نفس الفعل في ذلك الوقت. ولا شكّ أنّ عدم الفعل المذكور بواسطة عدم حضور زمانه ، فلا يصحّ استناده حقيقة إلى اختيار المكلّف ، لعدم اقتداره عليه بعد انتفاء القيد والوقت ، فيكون العدم مستندا إلى ما هو الأسبق من أجزاء العلّة في العدم ، وهو انتفاء الوقت.
نعم ، بعد حضور الوقت تنقلب النسبة فيصير الترك مستندا إلى الاختيار ، كما هو الشأن في أجزاء العلّة فيما إذا انقلبت نسبة الوجود والعدم فيها ، بأن ينعدم الموجود بعد وجود المعدوم ، وذلك ظاهر.
فالحقّ في الجواب عن الشبهة المذكورة هو ما قلنا : من أنّ العقلاء يستحسنون المذمّة على عبد ترك المقدّمة مع امتناع ذيها في حقّه وإن لم يكن وقت الفعل حاضرا ، ولا حاجة إلى صدق قولنا : إنّه ترك الواجب حقيقة ، حتّى يرد عليه ما ذكرنا.