الشيء يستلزم إرادته ونحن نعلم قطعا أنّه إذا تعلّق الإرادة الحتميّة بوجود الشيء ونعلم أنّه لا طريق إليه إلاّ بإيجاد شيء معيّن لا يمكن أن يحصل إلاّ به ، لتعلّق الإرادة الحتميّة بإيجاد ذلك الشيء البتّة. وهذا بديهيّ بعد ملاحظة الطرفين وتجريدها عن العوارض وإن حصل التوقّف في بادئ النظر. وإذا ثبت أنّ إيجاب الشيء يستلزم الإرادة المتعلّقة بمقدّماته فيكون المقدّمة واجبة ، إذ ليس الوجوب عند الأصحاب إلاّ هذا (١) ، انتهى.
والإنصاف أنّ ما ذكره في هذه الحجّة من إحالة الأمر إلى الوجدان الصحيح كلام يلوح منه أثر الصدق وتفوح عنه رائحة الحق ، وإن كان ابتناؤه على ما ذكره من أنّ حقيقة التكليف هي : « الإرادة » مستدركا ، إذ على تقدير الخلاف أيضا يتّجه ما ذكره من أنّ المنصف يجد من نفسه وجود الطلب المتعلّق بالمقدّمة على تقدير تعلّقه بذيها ، ويعلم أن لا وجه لذلك إلاّ مطلوبيّة الفعل الموقوف عليها ، ولا يفرق في ذلك القول بأنّ الطلب عين الإرادة كما عليه العدليّة أو غيرها ، وذلك ظاهر.
ثم إنّ ما ذكرنا إنّما يتمّ فيما لو كان مراد المستدلّ إثبات الوجوب التبعي للمقدّمة على وجه حرّرنا في تحرير محلّ الخلاف. وأمّا على ما استفاده المحقّق الخوانساري من كلامه : من أنّ مقصوده إثبات الوجوب على وجه يوجب مخالفته العقاب ، فالتحقيق على ما عرفت أنّ الوجدان لا يقضي بذلك ، وليس ذلك من محتمل كلام القائل بالوجوب أيضا ، كيف! والمشهور على الوجوب ، بل قد عرفت دعوى الاتّفاق من الآمدي (٢) على ذلك. وكيف يسوغ إثبات الوجوب بالمعنى المذكور لهم مع الاتّفاق على نفي العقاب على المقدّمات.
__________________
(١) رسالة مقدمة الواجب المطبوعة ضمن « الرسائل » : ٥٣ ـ ٥٤ و ١٠٧ ـ ١٠٩.
(٢) الإحكام ١ : ١٥٣.