الإنشائيّة وبين الإرادة علاقة ذهنيّة (١) حتّى ينتقل منها بسبب تلك العلاقة إلى الإرادة ، فانتفت الدلالة رأسا.
ولو سلّم إمكان الدلالة بارتكاب تكلّف بأن يقال مثلا : إنّ شرط وضع هذه الصيغ أن لا يستعملوها إلاّ عند وجود الإرادة ـ ونحو هذا من التكلّفات الركيكة ـ فلا شكّ أنّ دلالة الجمل الخبريّة عليها حينئذ أقوى وأظهر ، مع أنّهم صرّحوا قاطبة بأنّ الإنشائيات دالّة على الطلب بالذات ، والإخبار عن الطلب دالّ عليه بالعرض.
فظهر أنّ الطلب ليس هو الإرادة ، وأن ليس الغرض من الصيغ الإنشائيّة الإعلام بأنّ الإرادة حاصلة في النفس ، بل يجب أن يكون أمرا آخر غير الإرادة ، ولا يجوز أن يكون أمرا مثل الإرادة متوقّفا على تصوّر المطلوب والمطلوب منه فقط ويكون الغرض من الصيغ الإعلام بحصوله في النفس ، لعود المفاسد المذكورة.
فهو إمّا نفس النسبة التامّة الإنشائيّة بل إدراكها ، لكن لا يطلق عليها اسم « الطلب » إلاّ بشرائط ـ مثل حصول الإرادة ونحوه ـ حتّى لا يرد أنّ كثيرا ما ندركها وليس الطلب متحقّقا. وإمّا أمر آخر غيره ولكن يتوقّف حصوله على ذلك الإدراك.
وهذا بعينه نظير التصديق في الجمل الإخباريّة ، فإنّه أيضا إمّا عين إدراك النسبة التامّة الخبريّة ـ كما هو رأي بعض (٢) ـ أو يتوقّف عليه أو على إدراك النسبة التقييديّة على رأي من جعله غيره (٣).
__________________
(١) في المصدر بدل ذهنيّة : ذاتيّة.
(٢) مثل صدر المتألهين في رسالة التصور والتصديق المطبوع مع الجوهر النضيد : ٣٢٤.
(٣) لم نعثر عليه بعينه ، ولعلّه يوجد فيما نقله من الأقوال في تفسير التصديق في الرسالة المذكورة.