وعلى التقديرين يندفع المفاسد المذكورة ، ويظهر وجه دلالة الصيغ الإنشائيّة على الطلب وكونها بالذات ، بخلاف الإخباريّة. أمّا على الأوّل فكلا الوجهين ظاهر لا سترة فيه ، لأنّ مفاد الإنشائيّة هو الطلب بنفسه ، ومفاد الإخباريّة ليس هو الطلب ، بل إنّما يخبر عن الطلب بحصوله في النفس. أمّا على الثاني فوجه الدلالة ظاهر أيضا ، لأنّ الطلب لمّا كان حصوله مع حصول مفهوم تلك الصيغ ، فعند سماعها والانتقال إلى معانيها يحصل الانتقال إلى الطلب أيضا لشدّة تقارنهما واتّصالهما حتّى أنّ النفس لا يكاد يفرق بينهما.
وأمّا كونها بالذات وكون الدلالة الإخباريّة عن الطلب بالعرض ، فلعلّ وجهه أيضا التقارن والاتّصال المذكور ، فكان مفاد الإنشائيّة الطلب بنفسها ، بخلاف الإخباريّة. أو يقال : إنّ الطلب لمّا كان يتوقّف على تصوّر النسبة الإنشائيّة وتصوّر المعاني يتوقّف في المعتاد على تخيّل الألفاظ ، أو أنّه لا يحصل بمجرّد التصوّر النسبة التامّة الإنشائيّة ، بل لا بدّ من مخاطبة مع المطلوب عنه وتوجيهه إليه ، وهي إنّما تحصل من الألفاظ ، فللصيغ الإنشائيّة على الوجهين دخل في حدوث الطلب ، فدلالتها عليه من قبيل دلالة العلّة على المعلول ، بخلاف الجمل الخبريّة ، فإنّ دلالتها وضعيّة. ولا شكّ أنّ الأوّل أقوى فلذلك اطلق عليها هنا بالذات. وبما ذكرنا ظهر وجه قولهم : إنّ تلك الصيغ منشئة ومحدثة لمعانيها ، فتدبّر ، انتهى كلامه (١).
ومواضع النظر في كلامهما غير خفيّ على من أمعن النظر فيما أفادا. وليس المقام محلاّ للإطالة.
الثامن : ما نقل عنه أيضا ، من أنّ إلزام المشقّة على الشخص من غير غرض (٢) قبيح ، ولذا حكم العدليّة باستحقاق الثواب والعقاب ، فلا بدّ أن يكون في
__________________
(١) رسالة في مقدمة الواجب المطبوعة ضمن « الرسائل » : ١٠٩ ـ ١١٢.
(٢) في المصدر بدل ( غرض ) : عوض.