قال : وبالجملة ، الحكم بمانعية الأضداد ممّا لا مجال لإنكاره. وفي كلام الشيخ الرئيس أيضا التصريح بمانعيّتها. كيف! وأيّ شيء أولى بالمانعيّة من الضدّ؟ فلا وجه للإيراد على المجيب : بأنّه جعل الضدّ مانعا. نعم لو قيل بأنّ عدم المانع مطلقا ليس موقوفا عليه بل هو من مقارنات العلّة التامّة ـ كما ذهب إليه بعض ـ لم يكن بعيدا ، لكن هذا بحث لا اختصاص له بالمجيب وبمقامنا هذا (١) ، انتهى كلامه رفع مقامه.
وخلاصة مراده : أنّه لا ريب في تمانع الأضداد وأنّ وجود أحدهما يمنع من وجود الآخر ، ولكن لا ملازمة بين كون الشيء مانعا وبين كون عدمه (٢) مقدّمة ، لأنّ عدم المانع إذا كان مقارنا للعلّة التامّة أو سابقا عليها لم يكن موقوفا عليه ، إذ لا توقّف حينئذ للمعلول إلاّ على وجود علّته التامّة ، وأمّا إذا كان مؤخّرا عنها ـ بأن اجتمعت العلّة في الوجود مع وجود المانع ـ كان عدمه موقوفا عليه.
وحينئذ فالذي يقتضيه تمانع الأضداد إنّما هو توقّف وجود الضدّ المعدوم على ارتفاع الضدّ الموجود أيضا ، وأمّا توقّف الضدّ الموجود أيضا على عدم الضدّ المعدوم الذي كان عدمه سابقا على علّة الموجود أو مقارنا معها فلا. وحينئذ لا يلزم الدور في شيء ، لأنّا إذا فرضنا البياض شاغلا للمحلّ كان وجود السواد حينئذ في ذلك المحل موقوفا على ارتفاع البياض ، لاستحالة اجتماعهما ، ولكن وجود البياض الموجود ليس موقوفا على عدم السواد ؛ لأنّ هذا العدم سابق على علّة البياض أو مقارن معها ، فلا يكون وجود السواد المعدوم سببا لرفع البياض الذي كان مقدّمة لوجود السواد حتّى يلزم الدور ، لأنّ السواد إنّما يكون علة لرفع البياض إذا كان عدمه شرطا ، وبعد أن بنينا على أنّ عدم السواد المعدوم ليس مقدّمة شرطيّة لوجود البياض لم يكن وجه لعليّة السواد لعدم البياض.
__________________
(١) رسالة مقدّمة الواجب المطبوعة ضمن « الرسائل » : ١٥٠ ـ ١٥١.
(٢) في ( ع ) : كونه.