المقدّمة الثانية
في تحرير محلّ النزاع
من حيث ضيق المأمور به وسعته ، أو وجوبه واستحبابه ، أو تخييره وتعيينه ... إلى غير ذلك من الوجوه المتصوّرة في الأوامر. وهكذا في الضدّ.
قال الفاضل القمّي أعلى الله مقامه : موضع النزاع ما إذا كان المأمور به مضيّقا والضدّ موسّعا ، ولو كانا موسّعين فلا نزاع. وأمّا لو كانا مضيّقين فيلاحظ ما هو الأهمّ. وقد يفصّل : بأنّ الضدّين إمّا كلاهما من حقّ الله أو من حقّ الناس أو مختلفان ، وعلى التقديرات : إمّا معا موسّعان أو مضيّقان أو مختلفان. فمع ضيق أحدهما الترجيح له مطلقا ، ومع سعتهما التخيير مطلقا. وأمّا الثاني فمع اتّحاد الحقيقة التخيير مطلقا ، إلاّ إذا كان أحدهما أهمّ في نظر الشارع كحفظ بيضة الإسلام ، ومع اختلافهما الترجيح لحقّ الناس إلاّ مع الأهميّة (١) ، انتهى كلامه.
ويمكن المناقشة في هذا الكلام :
أوّلا : بأنّ إخراج الموسّعين عن محلّ النزاع ممّا لا وجه له ، فإنّ الملازمة التي أثبتوها بين الأمر بالشيء والنهي عن ضدّه عقليّة سارية في جميع الأوامر ، فكما أنّ الأمر المضيّق يقتضي النهي عن ضدّه الموسّع كذلك الأمر الموسّع يقتضي ذلك من غير فرق ، والحاكم بذلك هو العقل على القول بالاقتضاء. غاية الأمر أنّ النهي في الموضعين يختلف حسب اختلاف الأمرين ، فالأمر المضيّق يقتضي النهي عن ضدّه على جهة التضييق والتعيين ، والأمر الموسّع يقتضيه على جهة التوسعة والتخيير ،
__________________
(١) القوانين ١ : ١١٣.