والحق أنّ ترتّب أحكام المعصية على مثل هذا العصيان الناشئ عن النهي المقدّمي مشكل ، كما أنّ صيرورتها سببا للفسق أشكل. والله العالم بحقائق الامور.
هذا أوان الشروع في ذكر أدلّة الأقوال :
حجّة القول بنفي الاقتضاء رأسا في الضدّ العامّ
ما قدّمت إليه الإشارة في تحرير الأقوال استطرادا ، وحاصله : أنّ الاقتضاء بأي وجه كان فرع ثبوت الملازمة بين طلب الشيء وطلب ترك تركه في نفس الطالب الآمر ، والملازمة ممنوعة بل منفيّة جدّا ، ضرورة غفلة الطالب للشيء كثيرا ما عن تركه فضلا عن أن يكون طالب ترك ذلك الترك ، وإذا كان الأمر كذلك فلا وجه لدعوى الاقتضاء الذي يتوقّف على كون الآمر شاعرا للترك وناهيا عنه.
قال الحاجبي : لنا أنّه لو كان الأمر نهيا عن الضدّ أو تضمّنه لم يحصل بدون تعقّل الضدّ والكفّ عنه ، لأنّه مطلوب النهي ، ونحن نقطع بالطلب مع الذهول عنهما.
واعترض : بأنّ المراد الضدّ العامّ ، وتعقّله حاصل ؛ لأنّه لو كان ذاهلا منه لم يطلبه.
واجيب : بأنّ طلبه في المستقبل ، ولو سلّم فالكفّ واضح.
وقال الشارح العضدي في توضيحه ما لفظه : هذا ، واعترض عليه : بأنّ المراد بالضدّ هو الضدّ العامّ ، لا الأضداد الجزئيّة ، والذي يذهل عنه هو الثاني لا الأوّل ، لأنّ تعقّله حاصل ، ضرورة أنّ المأمور لو كان عازما على الفعل ومتلبّسا به لم يطلب الآمر منه ، لأنّه طلب الحاصل ، فإذن إنّما يطلبه إذا علم أنّه متلبّس بضدّه لا به ، وأنّه يستلزم تعقّل ضدّه.