وضمّ المنع من الترك إلى الوجوب في الأفواه معناه أنّ مرتبة الوجوب لازمها أنّه لو التفت الآمر إلى الترك لم يكن راضيا به ، لا أنّه داخل في ماهيّته ، كيف! ومن الواضح أنّ الدالّ على الوجوب لا يدلّ على طلبين : أحدهما ما يتعلّق بالفعل والآخر ما يتعلّق بترك الترك ، وإلاّ لكان كلّ واحد من الأحكام الخمسة مركّبة من الحكمين ، كما سبق بيانه.
وهذا الاعتراض وإن كان بظاهره واردا ، إلاّ أنّه قد يذبّ عنه : بأنّا نجد بالمشاهدة والعيان أنّ الوجوب والاستحباب مشتركان في شيء هو الجنس ، وممتازان في شيء هو الفصل ، وأنّ ذلك الفصل من مقوّمات ماهيّة كلّ واحد منهما كما هو شأن الفصول ، ولا شيء يوجب امتياز الوجوب من الاستحباب إلاّ أنّ الطلب في الأوّل بمرتبة متقوّمة بعدم الرضا بالترك ، وفي الثاني بمرتبة لم تبلغ هذا الحدّ ، فيكون ذلك المقوّم الذي به صار الوجوب ممتازا عن الاستحباب داخلا في حقيقة الوجوب دخول الفصل في النوع ، وحينئذ فالدالّ على الوجوب ـ كصيغة الأمر مثلا ـ دالّ على عدم الرضا بالترك بالتضمّن ، نحو دلالة اللفظ الموضوع للنوع على الفصل.
نعم ، إطلاق النهي عن الضدّ العامّ على هذا الفصل الذي لا بدّ من ثبوته للوجوب لا يخلو عن حزازة وركاكة ، لأنّ الظاهر من النهي كونه مقتضيا للتحريم الذي هو واحد من الأحكام الخمسة قبال الوجوب المتعلّق بالفعل ، وليس الأمر كذلك ، لأنّ فصل الوجوب ليس تحريم ترك الفعل على وجه يكون من المحرّمات الثابتة بالنواهي في قبال الواجبات ، إذ كلّ أحد يعلم أنّ الوجوب ليس إلاّ حكما وحدانيّا يعبّر عنه تارة بإيجاب الفعل ، واخرى بتحريم الترك ، نحو التعبير عن الإنسان بالحيوان الناطق تارة وبالناطق خاصّة اخرى ، لا أنّه يتضمّن حكمين من الأحكام الخمسة : أحدهما الوجوب والآخر التحريم.