ورابعا : أنّه يلزم على ذلك التقدير أن يكون الفرد المباح أفضل فردي الواجب التخييري ، وهو باطل اتّفاقا منّا ومن المجيب ، إذ لا يراد منه إلاّ ما فيه مصلحة زائدة على مصلحة الواجب ، والمفروض أنّ المكروه مشتمل على مصلحة الواجب ، فيرد (١) عليه عدم الانضباط في المكروه وجريانها في مثل الصلاة في المسجد والمسجد الحرام ونحوه ، ولا سبيل إلى التزامه ، فإنّ ذلك التصرّف مقطوع الفساد في الظواهر التي تدلّ على الكراهة. ولا ينافي القطع بوجوب صرفها عن ظاهرها ، فإنّه لا يقضي بحملها على ما هو ظاهر البطلان ، كما لا يخفى.
ويمكن دفعه : بأنّ المجيب بنى جوابه على أن يكون المراد من قلّة الثواب هو قلّته بالنسبة إلى الثواب المقرّر للماهيّة ، ويستفاد منه بالمقايسة أنّ المندوب هو ما زاد ثوابه على ثواب الماهيّة والفرد المباح لا يزيد ثوابه على ثوابها ، إذ المفروض في كلامه ـ كما هنا ـ هو أنّ الكراهة في العبادة إنّما يكون لها مسرحا في العبادات التي تزيد مصلحتها على مصلحة مقتضية للوجوب.
ثم إنّه قد يستشكل في المقام أيضا : بأنّ استفادة قلّة الثواب من تلك النواهي ممّا لا سبيل إليها ، فإنّ ذلك المعنى من المعاني التي ينبغي استفادتها من الجمل الإخباريّة دون الجمل الإنشائيّة ، فلا يعقل أن يكون المراد بقوله : « لا تصلّ في الحمّام » أنّ الصلاة في الحمّام أقلّ ثوابا من غيرها ، إذ لم يعهد منهم استعمال الإنشاء في الإخبار وإن كثر استعمال الإخبار فيه ، فإنّه من محاسن الطلب ، كما لا يخفى.
وتمحّل بعض الأجلّة (٢) في دفعه ، تارة : بجعل النواهي المذكورة إرشاديّة مجرّدة عن معنى الطلب بقرينة قيام الحجّة العقليّة على استحالة تعلّق الطلب بطرفي
__________________
(١) في ( ع ) : فيعود.
(٢) الفصول : ١٣٢.