يستفاد من الأمر الوارد عقيب الحظر غير معناه الحقيقي ، ولذا لا يحكم بحرمة كثير من المعاملات مع ورود النهي عنها ، وليس إلاّ لتخصيص العمومات الدالّة على ترتّب الأثر عليها وصحّتها.
والقول بأنّ النهي كما يمكن أن يكون ناظرا إلى الصحّة المستفادة كذا يمكن أن يكون ناظرا إلى الجواز المستفاد من الأمر أيضا ، يدفعه :
أنّ رفع الجواز يلازم رفع الصحّة على القول بالامتناع ، فيكون نظير دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر ، والأصل قاض بعدم التحريم عرفا ، كما يستفاد من الأوامر الواردة في مقام الأجزاء والشرائط الوجوب الغيري اللازم للجزئيّة والشرطيّة مع ظهور الأمر في الوجوب النفسي ، وحيث إنّ ظهور الأمر في الصحّة لعلّه أكثر من ظهوره في تساوي الأفراد ، فلذلك قلنا بأنّ الكراهة بالمعنيين خلاف ظاهر النهي.
نعم ، يصحّ ذلك فيما لو علم بالإجماع ونحوه عدم الفساد ، فإنّ المنساق من النهي حينئذ عدم التساوي في المرتبة.
المقام الثاني
في تصوير الكراهة في العبادات التي لا بدل لها من جنسها ، كالصوم في السفر ؛ بناء على عدم تحريمه المستفاد من قوله صلىاللهعليهوآله : « ليس من البرّ الصيام في السفر » (١).
واعلم أوّلا : أنّ الإشكال في هذه العبادات ليس مختصّا بالمانع من اجتماع الأمر والنهي ، بل هو وارد على المجوّز أيضا ، حيث إنّ الكلام منهم إنّما
__________________
(١) المستدرك ٧ : ٣٨٣ ، الباب ٩ من أبواب من يصحّ منه الصوم ، الحديث ٢.