وأجاب عن لزوم الرجحان في العبادة ، وحصول القرب بها.
أمّا عن الأوّل : فبأنّه لم يقم دليل على لزوم الرجحان في جميع خصوصيّات العبادة ، بل يكفي في ذلك ثبوته للماهيّة.
وأمّا عن الثاني : فبأنّ قصد التقرّب حاصل بالنسبة إلى الماهيّة وإن لم يحصل القرب في الخصوصيّة ، ولا ملازمة بين القصد إليه وحصوله ، وإلاّ لما صحّ أكثر عباداتنا ؛ مضافا إلى أنّ قصد التقرّب قد يراد به موافقة الأمر وهو حاصل ، فلعلّ صورة العبادة تكفي في صحّة قصد التقرّب ما لم يثبت لها مبطل من الخارج ، وإن لم يكن ممّا لم يحصل له ثواب (١).
ثم إنّه وجّه قصد القربة في الحاشية (٢) بوجه آخر ، وهو : قصده من حيث كونه متعبّدا وداخلا في زيّ المتعبّدين.
وفيه ، أوّلا : النقض بالحرام والواجب ، فكما أنّه لا مانع على ما زعمه من اجتماع الكراهة والوجوب وكفاية الرجحان في الماهيّة وعدم الحاجة إلى الرجحان في الخصوصيّة ، فكذلك لا مانع من ذلك في الوجوب والحرمة. فإن استند في ذلك إلى عدم إمكان الامتثال فيه ، فنقول : لا يمكن الامتثال في المكروه أيضا ، وإن استند إلى عدم التضادّ بين الوجوب والكراهة بخلافه في الإلزاميّين فهو ممّا لا يسعه عقولنا ، ضرورة وجود التناقض وفهمه عقلا وعرفا بين الأمر بماهيّة على وجه الإطلاق والنهي عن فرد خاصّ من تلك الماهيّة.
وأمّا الاستناد إلى أنّ الماهيّة تغاير إيقاعها في زمان خاصّ أو مكان مخصوص فيحتمل اختلافهما في الحكم ، فقد عرفت أنّه كلام ظاهريّ خال عن
__________________
(١) القوانين ١ : ١٤٤ ـ ١٤٥.
(٢) انظر الحاشية المطبوعة في هامش القوانين ١ : ١٤٥ ، ذيل قوله : وإن لم يحصل القرب.