العقل كالتخيير بين الإنقاذين ، وما ذكرنا (١) هو غاية توجيه أمثال المقام ، وإلاّ فالعالم بالسرائر مطّلع على حقائق الامور والوقائع. هذا تمام الكلام في توجيه اجتماع المكروه مع الواجب أو المستحبّ.
بقي الكلام في اجتماع المستحبّ مع الواجب ، فنقول :
لا كلام في امتناع اجتماع الاستحباب العيني مع الوجوب العيني ، بمعنى أن يكون الشيء بعينه مطلوب الفعل تارة على وجه الحتم واخرى مطلوبة لا على وجه الحتم على وجه يكون الطلبان قائمين بنفس الطالب ، والمطلوبيّة على الوجهين قائمة بالفعل.
واستحالة ذلك ممّا لا ينبغي أن يكون موردا للتأمّل ؛ فإنّ قيام الطلبين مع قطع النظر عن الخصوصيّة المائزة للوجوب والاستحباب بنفس الطالب يوجب اجتماع المثلين ، فإنّ حقيقة الطلب على القول باتّحاده مع الإرادة المفسّرة باعتقاد النفع ـ كما أفاده المحقّق الطوسي في التجريد وغيره (٢) ـ راجع إلى العلم ، ويكون اختلاف الوجوب والاستحباب حينئذ باختلاف المراد ، فإنّ الإرادة حينئذ حقيقة واحدة ولا يكون اختلافها إلاّ باختلاف الأفراد ، فوجود فردين منها في فعل واحد يوجب اتّصاف محلّ واحد ـ وهو النفس ـ بفردين من كيفيّة واحدة ، وهي الإرادة ؛ مضافا إلى لزوم المحذور المذكور أيضا في الفعل.
فإن قلت : إنّ المتّصف بالمطلوبيّة هو الماهيّة الذهنيّة ، لامتناع اتّصاف الماهيّة الخارجيّة بالمطلوبيّة ، لكونها موجودة ولا يعقل طلب الحاصل ، والماهيّة الذهنيّة تختلف باعتبار الملاحظات.
__________________
(١) في ( م ) : ما ذكره.
(٢) انظر كشف المراد : ٢٥٢.