فإن قلت : قضيّة كلّ واحد من العنوانين اجتماع الحكمين فعلا ، وبعد حكم العقل بامتناع ذلك يحصل التعارض بينهما لاقتضاء كلّ منهما انتساب الأثر إليه ، وحيث إنّه لا مرجّح بينهما فيتساقطان ، فلا يثبت وجوب فضلا عن تأكّده.
قلت : إنّ بعد تسليم اختلاف مراتب الطلب شدّة وضعفا لا وجه لما ذكر أصلا ، فإنّ كلّ واحد من العنوانين على وجه الاستقلال يقتضي مرتبة خاصّة من الطلب ، واجتماعهما معا يقتضي مرتبة أشدّ من المرتبة التي كان كلّ واحد منهما مقتضيا لها ، فلا تعارض بينهما حتّى يقال بالتساقط. مع أنّه يمكن أن يقال : إنّ كلّ واحد من العنوانين يقتضي وجود الرجحان والمطلوبيّة ، فلا تعارض بينهما ، وإنّما التعارض في استناد الأثر إليهما على وجه الاستقلال ، وبعد التعارض يحكم بتساقط الاستناد إليهما استقلالا دون أصل الوجود ، فيكون المقام نظير ما لو عقد كلّ واحد من الأب والجدّ على البنت لشخص واحد ، دون ما لو عقد عليها كلّ واحد منهما لغير ما عقد له الآخر ، فتأمّل.
وبالجملة ، فلا محذور في القول بتأكّد الطلب [ و ] المطلوب ، سواء قلنا بوجود المصالح والمفاسد في المكلّف به ـ كما هو مذاق التحقيق ـ أو لم نقل به ، كما زعمه الأشعري (١).
أمّا على الأوّل ؛ فلأنّ الوجه في ارتفاع الطلبين هو استحالة وجودهما في محلّ واحد ، وذلك لا يقضي بارتفاع المصلحة والمفسدة ، فإنّ التخصيص عقليّ ، فيقطع ببقاء الجهة ، سيّما على ما قرّرنا من اقتضائهما مرتبة خاصّة من الطلب.
__________________
(١) انظر الإحكام في اصول الأحكام لابن حزم ٥ ـ ٨ : ٥٨٣ ، والإحكام للآمدي ١ : ١١٩ ـ ١٣٠.