سابقا (١) حسبانه رجوع كلام الفخر الرازي إليه بقوله : أنّ المكلّف في الزمن الذي لا يتمكّن من الخروج فيما دونه لا يتمكّن من ترك الغصب فيه مطلقا ، فلا يصحّ النهي عنه مطلقا ، لأنّ التكليف بالمحال محال عندنا وإن كان ناشئا من قبل المكلّف ، للقطع بكونه سفها. نعم ، يجري عليه حكم المعصية في تلك المدّة على تقدير الخروج بالنسبة إلى النهي السابق على وقوع السبب ـ أعني الدخول ـ لتمكّنه منه حينئذ.
وهذا حكم كلّي جار في جميع ذوات الأسباب التي لا يقارن حصولها حصول أسبابها كالقتل المستند إلى الإلقاء من الشاهق. ومثله ترك الحجّ عند الإتيان بما يوجبه من ترك المسير ، وغير ذلك ، فإنّ التحقيق في مثل ذلك أنّ التكليف بالفعل يرتفع عند ارتفاع تمكّن المكلّف منه ، ويبقى حكم المعصية من استحقاق الذمّ والعقاب جاريا عليه (٢).
ثمّ أورد على ما أفاده سؤالا في آخر المبحث : بأنّه لو صحّ ذلك لزم أن يكون الخروج إطاعة ومعصية ، وهو محال.
وأجاب عن ذلك : بأنّه لا ضير فيه عند عدم اجتماعهما في الزمان ، فإنّ الخروج معصية قبل الدخول وطاعة بعده.
وقال في توضيح ذلك : إنّ ترك الغصب مراد من المكلّف بجميع أنحائه التي يتمكّن من تركه إرادة فعليّة مشروطا بقاؤها ببقاء تمكّنه منه ، وحيث إنّه قبل الدخول يتمكّن من ترك الغصب بجميع أنحائه دخولا وخروجا ، فترك الجميع مراد منه قبل دخوله ، فإذا دخل ارتفع تمكّنه من تركه بجميع أنحائه مقدار ما يتوقّف التخلّص عليه ، وهو مقدار خروجه مثلا ، فيمتنع بقاء إرادة تركه كذلك ، وقضيّة
__________________
(١) انظر الصفحة ٧٠٨.
(٢) الفصول : ١٣٨.