ذلك أن لا يكون بعض أنحاء تركه حينئذ مطلوبا ، فيصحّ أن يتّصف بالوجوب لخلوّه عن المنافي ، والعقل والنقل قد تعاضدا على أن ليس ذلك إلاّ التصرّف بالخروج ، فيكون للخروج بالقياس إلى ما قبل الدخول وما بعده حكمان متضادّان : أحدهما مطلق وهو النهي عن الخروج ، والآخر مشروط بالدخول وهو الأمر به ، وهما غير مجتمعين فيه ليلزم الجمع بين الضدّين ، بل يتّصف بكلّ.
ثمّ استدلّ على عدم التنافي بين الحكمين : بجواز وقوع البداء في حقّنا ، إذ لا يجوّزه إلاّ اختلاف الزمان.
ثمّ قال : ولا يشكل بانتفاء الموصوف في الزمن السابق ، لوجوده في علم العالم ولو بوجهه ، ولو لا ذلك لامتنع تحقّق الطلب إلاّ مع تحقّق موضوعه في الخارج ، وهو محال (١) ، انتهى ما أفاده قدسسره.
أقول : أمّا ما ذكره في الاحتجاج على كون الخروج مأمورا به ـ مطابقا لما ذكرناه في الاحتجاج على المختار ـ فهو كلام صحيح لا غبار عليه بجميع جزئيّاته ، سيّما منعه عن التكليف بالمحال مطلقا ، من دون تفصيل بين أن يكون المكلّف هو السبب في الامتناع أو غيره ، كما يقتضيه قواعد العدليّة.
والعجب من بعض المحقّقين ـ كسلطان العلماء ـ كيف اختفى ذلك على مثله! مع طول باعه في التحقيق. وأعجب من ذلك استناده فيه إلى دعوى لا يساعدها العرف والعقل من أنّ هذه الأوامر مرجعها إلى الإرشاد إلى وجود المصالح والمفاسد في نفس الأشياء مثل أوامر الطبيب ونواهيه ، من دون أن يكون هناك طلب حقيقيّ مثل وجوده في أوامر الموالي بالنسبة إلى عبيدهم ، وقد أشرنا إلى فساده في المباحث السابقة.
__________________
(١) الفصول : ١٣٩.