واستدلّ من ذهب بأنّهما من أحكام الوضع : بأنّ المدار في شرعيّة الحكم على أن يكون بيانه وظيفة الشارع وإن كان العقل مستقلاّ فيه ، والمقام منه ؛ فإنّ الحكم بترتّب آثار السبب الشرعي عليه حكما وظيفة الشارع ، سواء كان بموافقة الأمر أو إسقاط القضاء أو غيرهما.
وفيه أولا : أنّ المدار في الشرعيّة ليس على البيان الصرف وإن لم يكن مشتملا على الإنشاء كما في الأحكام التكليفية ، فإنّ ذلك مجرّد إخبار عمّا هو ثابت في الواقع. نعم ، ذلك يوجب تصحيح النسبة والإضافة إلى الشارع والشرع فيما إذا لم يكن وجود ذلك الأمر الثابت معلوما بوجه وأين ذلك من الجعل الموجود في أحكام التكليف؟
وثانيا : أنّ الصحّة والفساد ليس بيانهما من وظيفة الشارع على تقدير اكتفاء ما ذكر في الحكم الشرعي ، فإنّ ما هو من وظيفة الشارع هو الإخبار والإعلام عن ترتّب هذه الآثار المخترعة أو غيرها على تلك الأفعال عبادة كانت أو معاملة. وأمّا كون الفعل ممّا يترتّب عليه الأثر أو لا فليس من وظيفة الشارع بيانه. ويظهر وجه التفصيلين وجوابهما ممّا ذكرنا في حجّة المختار ، فتدبّر.
الخامس : ذكر المحقّق القمّي رحمهالله تبعا لغيره : أنّ محلّ النزاع إنّما هو فيما إذا ورد النهي مع وجود ما يقضي بالصحّة شرعا ، فلا نزاع فيما ليس فيه جهة صحّة ـ كالزنا والقمار ونحوهما ـ لكونه فاسدا بالأصل (١).
أقول : ما ذكره إنّما يتمّ في العبادات ، إذ لا يعقل العبادة بدون الأمر. وأمّا في المعاملة فلا دليل على تخصيص النزاع بماله جهة صحّة ، بل قضيّة الأدلّة والعناوين عموم النزاع لكلّ ما له الاتّصاف بالصحّة والفساد ، سواء كان له في الشرع جهة
__________________
(١) القوانين ١ : ١٥٥ ـ ١٥٦.