وثانيهما : إمكان اجتماع الأمر والنهي العينيّين في أمر واحد شخصيّ.
إذ على تقدير طروّ المنع بأحدهما لا يتمّ شيء منهما. أمّا الأوّل : فلأنّه لو قيل بكون الألفاظ موضوعة للأعمّ نختار إمكان وجود المنهيّ عنه من المكلّف ، ولا يلزم محذور ، لأنّه لا يلازم الصحّة ، لصدق المعنى على الفاسدة أيضا. وأمّا الثاني : فلأنّه على تقدير امتناع تعلّق الأمر والنهي بشيء يمتنع صحّة المنهيّ عنه ، لأنّ الصحّة فرع الأمر ، والمفروض امتناعه. وعلى قياسه الدليل الثاني ، كما هو ظاهر.
وكيف كان ، فالجواب عنهما : أنّه إن اريد من « الصحّة » كون المنهيّ عنه مأمورا به ، فقد عرفت ـ في المسألة السابقة ـ امتناعه على وجه لا مزيد عليه ، فنختار إمكان وجود المنهيّ عنه ، وهو لا يلازم الصحّة بمعنى موافقة الأمر. وإن اريد من « الصحّة » كون المنهيّ كامل الأجزاء والشرائط مع قطع النظر عن النهي المتعلّق به ، فهو حقّ على القول بالصحيح إذا لم يكن تعلّق النهي بالعبادة أو المعاملة كاشفا عن عدم اجتماعهما الشرائط الوجودية والعدميّة ، فيكون استعمال لفظ « البيع » و « الصلاة » في موارد النهي مجازا باعتبار المشاكلة والمشابهة ونحوها. ولكن ينبغي أن يعلم أنّ ذلك إنّما هو بواسطة مادّة المنهيّ عنه ، وليس للنهي مدخل في ذلك ، كما هو ظاهر. ولعلّ العلاّمة رحمهالله وابنه فخر المحقّقين ، إنّما ينظران إلى ما ذكرنا ، فتوقّف الأوّل ومال الثاني إليه.
ومن هنا يظهر أنّه لا وجه لتعجّب بعض أفاضل المعاصرين منهما في ذلك (١) ، فإنّ المسألة ليست بتلك المكانة ، بل على القول بالصحيح لا بدّ من التزام مقالته ولا يلزم محذور ، فإنّ الصحيحي لا يقول بأنّ الصحّة ـ بمعنى مطابقة الأمر ـ أيضا داخلة في المسمّى ، كيف! وهو فاسد جدّا. وقد نبّهنا على ذلك في محلّه. نعم ، لو كان القول بالصحيح مقتضيا لذلك كان فاسدا ، كما هو ظاهر لمن تدبّر.
__________________
(١) إشارات الاصول : ١٠٩.