بل قد تقدّم الإشكال في رجوع القائل بالأعم أيضا إلى عرف المتشرّعة ؛ حيث إنّ غير النبي صلىاللهعليهوآله ومن هو بمنزلته غير عارفين بالماهيّة المخترعة المباينة عن الماهيّة اللغويّة ، فالخطاب المشتمل على وجوب الصلاة إنّما يكون مجملا بالنسبة إليهم. وتكرّر الفعل منهم إنّما يوجب البيان لهم دفعا لتأخير البيان عن وقت الحاجة ، وأمّا البيان لنا فهو موقوف على عدم ثبوت تغيير فيه ، والمظنون بل المقطوع ثبوته ، وإلاّ لم يعقل الإجمال على القول بالصحيح ، كما هو المتّفق عليه عندهم.
ثمّ إنّه قد يجاب عن التبادر (١) : بأنّه لا دليل فيه على الوضع ؛ لأنّه ناش عن الغلبة. ويستكشف ذلك من عدم صحّة السلب عن الفاسدة ؛ لجواز تكذيب من أخبر : « بأنّ زيدا لا يصلّي » إذا كانت صلاته فاسدة ، وذلك نظير تبادر الصحيح من المعاملات ، ومن أنّ المتبادر (٢) إنّما هو الفرد الكامل من الصلاة المشتملة على جميع الآداب والمسنونات.
وأنت بعد الإحاطة بما قرّرنا تعرف وجوه الفساد في هذه الكلمات ؛ فإنّ أكثرها غير واقعة (٣) في محلّها ، مضافا إلى أنّ تسليم التبادر ـ و (٤) لو لم يكن ناشئا عن الوضع ـ يوجب هدم ما أسّسه القائل بالأعم من التمسّك بالإطلاقات ، إذ على تقدير الانصراف لا إطلاق في البين.
وقد يجاب عن دعوى التبادر (٥) : بأنّه لو كان المتبادر من لفظ « الصلاة » العمل الصحيح لما جاز لأحد أن يخبر بأنّ « فلانا قد صلّى » إلاّ بعد علمه باستجماعه
__________________
(١) هذا الجواب من هداية المسترشدين ١ : ٤٤٢ ـ ٤٤٣.
(٢) عطف على « من عدم صحّة السلب ».
(٣) في « ع » بدل « واقعة » : « واردة ».
(٤) لم يرد « و» في « ع ».
(٥) هذا الجواب وما يليه من الجواب والاعتراض من السيّد المجاهد في مفاتيح الاصول : ٤٥.