نعم ، لو فرض أنّ متعلّق الحلف هو الصحيح بمعنى ما يكون متعلّقا للأمر بالفعل ، كان الوجه عدم إمكان الحنث. وهو ممنوع ، بل قد مرّ فساده بما لا مزيد عليه.
نعم ، يشكل ذلك بناء على ما تقرّر عندهم : من أنّ نيّة القربة إمّا جزء للصلاة أو شرط فيها ، وإن كان دخول غاية الشيء في الشيء شرطا أو شطرا أيضا ممّا لا يعقل ، فتدبّر.
وثانيا : أنّ ذلك لا يجدي نفعا في إثبات المطلوب ؛ إذ لا يزيد على مجرّد الاستعمال بعد الغضّ عمّا ذكرنا ، مع إمكان المعارضة بما لو صرّح الحالف بوصف الصحّة في متعلّق الحلف ، كما لا يخفى ، فتدبّر.
السادس : أنّ قضية وضع اللفظ للصحيح أن يكون المراد منه في موارد النهي هو الصحيح الجامع لجميع الأجزاء المعتبرة والشرائط المقرّرة ، ولا شكّ أنّ الإتيان بالماهيّة الجامعة للأجزاء والشرائط كاف في انتزاع وصف الصحّة ، فيلزم أن يكون المنهي عنها صحيحة ، وهو بعينه ما ذهب إليه أبو حنيفة (١) : من اقتضاء النهي للصحّة.
والجواب : أنّه إن اريد من الصحّة المنتزعة استجماع الماهيّة للأجزاء والشرائط من دون أن يكون موافقة للأمر ، فالملازمة مسلّمة ، وبطلان اللازم ممنوع بحسب القواعد اللفظيّة. وإن اريد من الصحّة موافقة الأمر فلا نسلّم أنّ الإتيان بالماهيّة الجامعة للأجزاء والشرائط كاف في انتزاع الصحّة بهذا المعنى ، بل هو موقوف على الأمر المضادّ للنهي المرفوع بواسطة ورود الضدّ على المحلّ القابل لهما.
فإن قلت : إنّ الماهيّة الواحدة من دون اختلاف فيها يمتنع أن يكون مأمورا بها تارة ومنهيّا عنها اخرى ، فالمأمور بها لا بدّ وأن يكون مغايرا للمنهيّ عنها ، إمّا
__________________
(١) انظر الإحكام للآمدي ٢ : ٢١٤ ، ونهاية الوصول : ١٢٢ ، والقوانين ١ : ١٦٣.