وأمّا ثانيا : فنختار أنّها واجبات عقليّة مطلقا مع قطع النظر عن الاشتراط بقصد القربة ، ولا غائلة فيه أصلا ، وبيانه موقوف على مقدّمة ، وهي : أنّ الفعل الواقع عن المكلّف ، له عناوين كثيرة ووجوه عديدة تصلح للحمل عليه ويصحّ انتزاعها منه ، فقد يكون الضرب الصادر من المكلّف معنونا بعنوان حسن (١) حسنا كما إذا كان على وجه التأديب ، وقد يكون ملحوظا بلحاظ آخر موجّها بوجه غيره قبيحا كما إذا كان على وجه التعذيب مثلا (٢) ، فإذا علمنا العنوان الحسن المنتزع من الفعل بخصوصه تفصيلا فلا كلام ، وإن علمناه إجمالا كأن علمنا أنّ الفعل الفلاني وجها يكون ملحوظا بذلك الوجه حسنا ، ولو كان علمنا أنّ للفعل الفلاني وجها يكون ذلك الفعل (٣) ملحوظا بذلك الوجه حسنا (٤). ولو كان علمنا بذلك بواسطة أمر الشارع وكشفه عن وجود عنوان الحسن إجمالا فلا ريب أنّ الإتيان بالفعل في الخارج تحصيلا لذلك العنوان المعلوم حسنه إجمالا يجزي عن الأمر به لو كان مأمورا به ، ويحصل الحسن المنتزع من الفعل كما لا يخفى.
وبالجملة ، فبعض الأفعال لوقوعها مشتركة بين وجوه كثيرة لا بدّ في تعيين واحد منها إلى قصد ذلك الوجه بالخصوص تفصيلا أو إجمالا ، وإليه تنظر العبارة المنقولة عن المتكلمين من أنّه : « لا بدّ أن يقع الفعل في الخارج إمّا لوجوبه أو لوجه وجوبه » (٥) فإنّ هذا أحد الوجوه في وجه الوجوب.
__________________
(١) لم يرد « حسن » في ( ش ).
(٢) لم يرد « مثلا » في ( ش ).
(٣) لم يرد « ذلك الفعل » في ( ش ).
(٤) العبارة مشوّشة جدّا.
(٥) المنقذ من التقليد ١ : ٢٤٠ ـ ٢٤١ ، وكشف المراد : ٤٠٧ ـ ٤٠٨.