وإذ قد عرفت هذه ، فنقول : نلتزم بأنّ الأفعال المخصوصة التي يعبّر عنها بالصلاة مثلا حسن ، لكن لا على أي وجه حصلت وعلى جميع العناوين المنتزعة عنها ، بل على وجه خاصّ علمنا به إجمالا من أمر الشارع وإن لم نعلم ذلك الوجه بخصوصه ، فهي معنونة بعنوان معلوم بالإجمال حسنه ، ولهذا قد أمر بها الشارع ، والإتيان بها على الوجه المأمور بها يجزي عن الواجب وإن لم يكن الامتثال ظاهرا ، وأمّا واقعا فمرجعه إلى حقيقة الامتثال كما لا يخفى فهي حسنة ومأمور بها فلا مخالفة بين الحكمين.
وأمّا ثالثا : فنختار أنّها واجبات عقليّة بعد الاشتراط بنيّة القربة وقصد الامتثال ، ولا غائلة أيضا ، وبيانه أيضا يحتاج إلى تقديم مقدّمة.
وهي : أنّ الحكمة الداعية إلى وضع الألفاظ ـ على ما تقرّر في محلّه ـ هو الكشف عن المقاصد في مقام الإفادة والاستفادة ، وذلك يحصل بوجهين.
أحدهما : أن يكون المقصود بالإفادة والاستفادة ما هو المفهوم من اللفظ بحسب ما يستفاد منه لغة ، كما هو المتعارف عند العقلاء في أغلب إفاداتهم واستفاداتهم خبرا أو إنشاء.
وثانيهما : أن يكون المقصود واقعا من إيراد اللفظ وإطلاقه بحسب ما يستفاد منه من الأمور اللازمة للمعنى أو الملزومة له ولو بملاحظة مدلوله ابتداء.
فكما أنّ اللفظ في القسم الأوّل طريق للوصول إلى المعنى ، فكذلك المعنى المستفاد من اللفظ في المقام طريق للوصول إليه ، وذلك في الأخبار ظاهر شائع كالمداليل الكنائية.
وأمّا في الإنشاء : فقد يتحقّق مثل ذلك أيضا ، كما إذا جعل الأمر بشيء عنوانا لمطلوبيّة شيء آخر ، فالمطلوب بحسب ما يعتقده المكلّف هو ما تعلّق