وإمّا أن يقال : بأنّ اللازم هو الأخذ بالأقرب إلى الواقع وهو المدّعى ، وأمّا التخيير بين الظنّين عند الأقربيّة فممّا لا وجه له ، إذا العقل يحكم بالأخذ بأقوى الظنّين بالبديهة عند التعارض.
فإن قيل : إنّ الإجماع في المسألة الأصوليّة بعيد التحقّق ، فلا يحصل الظنّ من منقوله ، سيّما إذا لم يكن المسألة معنونة في زمان الأئمّة.
قلت : لا ريب في إمكان تحقّق الإجماع في الأحكام الشرعيّة أصوليّة كانت أو فروعيّة ، فإنّ كثيرا من المسائل الأصوليّة إجماعيّة ، مع أنّك قد عرفت أنّ المسألة فرعيّة لوجود المناط فيها وهو انتفاع المقلّد منها فيما لو كانت معلومة. وأمّا عدم تداول المسألة في زمان الأئمّة فستعرف أنّ كثيرا من المجوّزين إنّما استندوا في إثبات مقصودهم إلى السيرة المستمرّة في زمان الأئمة ، ونحن عند الإيراد على هذه الحجّة نبرهن على أنّ هذه المسألة ممّا كانت متداولة في زمن الأئمة عليهمالسلام.
الثاني : من وجوه تقرير العقل : ما أفاده السيّد الجزائري في محكيّ منبع الحياة (١) وهو : أنّ قضيّة المنع صحّة إحدى صلاتي المقلّد وبطلان الأخرى إذا مات المجتهد بين الصلاتين ، ولازم هذا أن يكون شريكا للشارع في الأحكام الشرعيّة. وهذا لا ينطبق على أصولنا ؛ لأنّ علماءنا يحكون كلام الشارع ويعملون به ، فلا تفاوت في اتّباع أقوالهم بين حياتهم وموتهم ، وإنّما يناسب هذا لو كان صادرا من رأيه كما كان الكوفي كذلك ، حيث قال في مسجد الكوفة : قال علي عليهالسلام كذا ، وأنا أقول كذا.
__________________
(١) حكاه السيد الصدر في شرح الوافية : ٤٧٢.