وعلى الأوّل يقال : إنّ هذه الواقعة كان حكمها الوجوب بفتوى المجتهد الفلاني ونشكّ في ذلك فنستصحب ... إلى غير ذلك من وجوه تقريراته ، فإنّه يمكن أن يقال : المكتوب في الرسالة الفلانيّة كان جائز العمل ، فنستصحب جواز العمل به بعد الموت.
والجواب عن هذه الوجوه في الاستصحاب يحتاج إلى تمهيد ، وهو : أنّه قد قرّرنا في مباحث الاستصحاب : أنّ جريانه موقوف على بقاء الموضوع على وجه اليقين ، إذ بدون العلم ببقاء الموضوع ليس من النقض من الموارد المنهيّ عنها في قوله : « لا تنقض » فإنّ عدم ترتيب أحكام « زيد » على ما لا يعلم أنّه « زيد » لا يعدّ من النقض في أحكامه بوجه ، فالقضيّة المعلومة في مورد الاستصحاب لا بدّ وأن تكون متّحدة مع القضيّة المعكوسة موضوعا ومحمولا حتّى يمكن انسحاب أحكام الموضوع من المحمول ونحوه في الزمان الثاني. وليس المراد بالموضوع مسندا إليه وموضوعا لتلك القضيّة ، بل المراد كلّ ما يمكن أن يجعل مبتدأ في العبارة ، إذ المناط من عدم صدق النقض عند عدم العلم بوجود ذلك مشترك في الكلّ. وهذا المعنى هو الداعي لأمين الأخباريّة حيث أنكر حجّية الاستصحاب في الأحكام الشرعيّة (١) فالتمسّك بالاستصحاب من بعض الأخباريّين من دون ملاحظة وجود المناط فيه إنّما هو خيانة منه للأمين. ونحن وإن قلنا بعدم استقامة ما ذكره على وجه الكلّية لجريانه على الوجه المذكور في الأحكام فيما إذا كان الشكّ في الرافع ـ كما أوضحنا سبيل ذلك في مباحث الاستصحاب ـ إلاّ أنّ إحراز ما ذكرنا من المناط من اتّحاد القضيّتين ممّا لا مناص عنه في صدق الأخبار الدالّة على الاستصحاب.
__________________
(١) انظر الفوائد المدنيّة : ١٧ و ١٤١.