وبالجملة ، فكما أنّ العلم باختلاف الموضوع يضرّ في جريان الاستصحاب ، كذا عدم العلم بوجوده أيضا يضرّ في جريانه ، إذ كما أنّ نفي الوجوب عن غير الصلاة مثلا ليس نقضا لوجوب الصلاة ، فكذلك نفي الوجوب عمّا لا يعلم أنّه صلاة أيضا ليس نقضا ، ولعلّه ظاهر.
وإذ قد عرفت هذه المقدّمة نقول : إنّ هذه الوجوه متقاربة جدّا ، كما لا يخفى على من أمعن النظر فيها. وجريان هذه الاستصحابات موقوفة على العلم ببقاء الموضوع ، ونحن لو لم ندّع العلم بارتفاع الموضوع في هذه الاستصحابات نظرا إلى أنّ المناط هو الظنّ وهو مرتفع بعد الموت ، فلا أقلّ إمّا من الشكّ في بقائه أو ارتفاعه على تقدير تسليم كون الموضوع هو الظنّ ، وإمّا من الشكّ في تعيين الموضوع ، وعلى التقديرين لا مسرح للاستصحاب.
فإن قلت : لا نسلّم أنّ الظنّ هو الموضوع حتّى يمكن القول بعدم العلم ببقائه بعد الموت مع أنّه غير مسلّم أيضا ، بل الموضوع هو القول الذي لا يعقل فيه القول بالارتفاع والبقاء ، ضرورة أنّه من الأمور الغير القارّة التي وجودها عبارة عن حدوثها ولا بقاء لها ، وكذلك لا وجه للنزاع في بقاء الرواية والعبارة ، فإنّها في وجه غير معقول البقاء ، وفي وجه غير معقول الارتفاع.
قلت : لا إشكال عند القائلين بالفتوى والتقليد والاجتهاد أنّ المدار في الفتوى هو الظنّ ، ولذلك لو زالت الملكة أو تغيّر اجتهاده وإن لم يكن هناك قول لا يجوز التعويل على القول السابق.
وتوضيحه : أنّ الأحكام الاجتهاديّة إنّما هي أحكام ظاهريّة ـ على ما صرّح به جميع أرباب الأصول ـ والظنّ في الأحكام الظاهريّة إنّما يكون موضوعا لما يترتّب على المظنون والبقاء ، فإنّه هو المقصود بحجّية الظنّ في الأمور الشرعيّة