نعم يرد على هذا التقرير : أنّ مفاد الدليل حينئذ ليس إلاّ عدم تقليد الميّت الذي كشف موته عن خطئه بأن كان سائر أهل عصره مخالفين له في الرأي وكان موته موجبا لكشف خطئه باعتبار حصول العلم بدخول المعصوم في الباقين ، وأمّا الميّت الذي لم يكشف موته عن خطئه بإمكان (١) الأحياء بعضهم موافقين له في الرأي ، فلا دلالة له على عدم جواز تقليده حينئذ ، ويمكن دفعه بما أشرنا إليه : من أنّ رأي الميّت إذا وافق رأي أحد الأحياء لم يكن العمل على طبق رأيه تقليدا له ؛ بل للحيّ. ولعلّه لذا فرض الكلام في أصل الاستدلال فيما إذا كان الميّت مخالفا لسائر أهل عصره ، فإنّ صورة موافقة بعض الأحياء يمكن إخراجها من محلّ البحث ؛ لقلّة جدواها ؛ بناء على عدم اختلاف التقليد باختلاف نيّة المقلّد ، ولا يخفى أنّ الاستدلال على الوجه الأوّل لو تمّ فإنما يفيد عدم الاعتداد بقوله مطلقا حتّى فيما إذا وافق بعض الأحياء ، كما بيّنا وجهه عند تقرير الدليل.
ثمّ لا يخفى أنّ ما ذكره صاحب الوافية (٢) بعد النقض بقوله مع أنّهم اعتبروا شهادة الميّت في الجرح والتعديل وهو يستلزم الاعتداد بقوله في الكبائر مع عدم ارتباطه بالجواب اشتباه واضح ؛ فإنّ مناط الجرح والتعديل على قبح أفعال المجروح وحسن أفعال المعدّل في نظره لا بحسب الواقع ، فلا يلزم من قبول الجرح والتعديل إلاّ الحكم بارتكاب المجروح والمعدّل ما رآه قبيحا وعدمه ، وهذا لا يستلزم قول الجارح والمعدّل في عدد الكبائر بعد أن لم يكن مناط الفسق والعدالة بمباشرة ما هو كبيرة في نظره ، ولعلّ وجه الاشتباه : أنّه زعم أنّ مناط الجرح والتعديل والفسق والعدالة ارتكاب الكبيرة الواقعيّة
__________________
(١) كذا ، والأنسب : لإمكان أن يكون.
(٢) الوافية : ٣٠١.