الحيوانية حتى القوى الدرّاكة انعدم تلك القوّة أيضا ؛ ولذا ترى أنّ الهرم وزيادة الطعن في السنّ يذهب بالسامعة والباصرة والمدركة وغيرها من القوى ، بحيث لا يبصر ولا يسمع ولا يفهم شيئا ، كما أخبر الله تعالى به في محكم كتابه : ( ... وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً ... )(١).
واستدلّ المولى البهبهاني رحمهالله (٢) على زوال الظن ـ فيما حكي عنه ـ :
أوّلا : بالبداهة.
وثانيا : بأنّ الظنّ إنّما هو الصورة الحاصلة في ذهنه ، فحين الشدّة والاضطراب حالة النزع لا تبقى تلك الصورة قط ، بل وحين النسيان والغفلة أيضا ، فما ظنّك بما بعد الموت حيث صار الذهن جمادا لا حسّ فيه.
وهذا الاستدلال مبنيّ على كون الظنّ جزءا من الأجزاء البدنيّة. وهو غير واضح وإنّما الذي نتعقله ويساعد عليه الوجدان ، بل البرهان أيضا ، هو الذي ذكرنا : من كونه قوّة من قوى الحيوان الناطق يدرك بها الأشياء النظرية ، وبه قوامها وتعيّنها بالحياة ، وبقاء تركيب الأخلاط الأربعة في هذا البدن. ووجه ذلك ، أنّه قد تقرّر : أنّ لكلّ خلط من الأخلاط الأربعة أثر في النفس الناطقة ، مثل أنّ أثر الصفراء هو الإدراك وسرعة الانتقال وجودة الذهن ، وأثر البلغم هو البلادة وسوء الفهم وبطء الانتقال ، وأثر الدم هو الشهوة والغضب وهكذا ... ولا ريب أنّ هذه الآثار إنّما تظهر من الأخلاط الأربعة في حال الحياة ، فإنّ الموت عبارة عن فناء هذه الأخلاط كلّها في البدن وتجرّد النفس وخروجها عن الجسمانيات.
__________________
(١) النحل : ٧٠.
(٢) حكاه السيّد المجاهد في مفاتيح الأصول : ٦٢٠ ، وانظر الرسائل الفقهية : ١٥.