للخوف والوجل مع أنّ ثبوت رجحان الحذر يكفي في إثبات وجوبه بالإجماع المركّب ، فإنّ من قال بجوازه قال بوجوبه.
وثانيهما : أنّ وقوع الإنذار غاية للنفر الواجب بدلالة كلمة « لو لا » يقتضي وجوبه وعدم رضا الآمر بانتفائها ، كما هو الشأن في جميع الغايات المترتّبة على فعل الواجبات ، سواء كانت من الأفعال أم لا ، كما في قولك : « تب لعلّك تفلح » وقوله تعالى : ( فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى )(١) وقوله تعالى : ( وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ )(٢) وحينئذ ، فالحذر أيضا واجب لوقوعه غاية الإنذار الواجب.
هذا ، مع أنّ وجوب أصل الإنذار في ذاته يقتضي وجوب الحذر عقبه وإن لم يصرّح بكونه غايته ، وإلاّ كان الإنذار لغوا. وهذا مثل ما عن المسالك (٣) : من الاستدلال على وجوب قبول قول النساء في العدّة بقوله تعالى : ( ... وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ ... )(٤) بناء على أنّ حرمة الكتمان عليهنّ يقتضي وجوب قبول قولهنّ بالنسبة إلى ما في الأرحام ، وإلاّ كان الإظهار لغوا ، وإذا دلّت الآية على وجوب الحذر عقيب الإنذار فيستدلّ بإطلاقها على وجوبه عقيب الإنذار الصادر من الموتى في حال حياتهم ، فإنّ مماتهم لا يوجب انتفاء صفة الإنذار عن الفتاوى الصادرة عنهم في حال الحياة ، بل كلّ من يبلغه تلك الفتوى يدخل في عنوان « النذر » (٥) بالفتح فيجب الحذر لما ذكر.
__________________
(١) طه : ٤٤.
(٢) نور : ٥٦.
(٣) المسالك ٩ : ١٩٤.
(٤) البقرة : ٢٢٨.
(٥) كذا ، والظاهر : « المنذر ».