والجواب عنها :
أولا : أنّ المراد بالنفر الواجب المشتمل عليه الآية إنّما هو النفر إلى الجهاد بقرينة قوله تعالى قبلها : ( وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً )(١) ومن المعلوم أنّ المقصود من النفر إلى الجهاد ليس هو التفقّه والإنذار حتّى يجبان فيجب لأجل وجوبهما الحذر ، نعم قد يترتّبان عليه لما فيه من مشاهدة آيات الله وغلبة أوليائه على أعدائه وسائر ما يشتمل عليه حرب المؤمنين مع الكفّار ممّا يوجب قوّة الإيمان وتأكّد اليقين ، فيحصل بسببها بصيرة لهم في الدين فيخبرون بما شاهدوه قومهم المتخلّفة (٢) إذا رجعوا إليهم ، فيكون التفقّه والإنذار المشتمل عليهما الآية من قبيل الفوائد المترتّبة على فعل الواجب لا الغاية حتى يجب بوجوب ذيها.
وثانيا : بأنّا لو سلّمنا كون المراد بالنفر الواجب هو النفر للتفقّه لا للجهاد ، أنّ المراد بالتفقّه هنا هو أخذ الأحكام من الحجّة ، ويحتمل الروايات ، فالحذر الواجب ما كان عقيب الإنذار بطريق الرواية لفظا أو معنى ، فلا دلالة فيها على وجوبه عقيب الإنذار بالفتوى ؛ ولذا تمسّك الأصحاب بهذه الآية على حجيّة الخبر ، والدليل على ذلك أمران :
أحدهما : أنّ الاجتهاد لم يكن متعارفا زمن نزول الآية ، بل المتعارف فيه إنّما هو الرجوع إلى الحجّة ، فتحمل الآية على الغالب المتعارف ، وربما يؤيّده بآية (٣) النفر ، فانّ الظاهر منها النفر إلى الحجّة خاصّة ، فلا يندرج فيها النفر إلى الرواة للاجتهاد.
__________________
(١) التوبة : ١٢٢.
(٢) كذا في الأصل.
(٣) كذا ، والمناسب : وربما يؤيد بآية ... ، أو : يؤيّده آية ....