ثمّ انّ هذا المستدلّ ذكر في خلال بيان اجتماع العلل ما ملخّصه : ولو لم يكن الحكم قابلا للشدّة والضعف أو كان وعلم عدم الاشتداد بدليل جاز أن يكون علّيّة الثاني مشروطة بعدم سبق المتقدّم فيكون الثاني معرّفا وكاشفا محضا (١) ، انتهى.
أقول : ولعلّه أخذه من أخيه البارع في تعليقاته حيث قال ـ على ما تقدّم نقله ـ : لا مانع من كون المسبّب (٢) الثاني معرّفا وكاشفا عن المسبّب الأول (٣). وما أفاده ليس في محلّه ؛ فإنّه لا يعقل القول بأنّ الشيء إذا لم يكن مسبوقا بمثله فهو سبب وإذا كان فهو معرّف ؛ لاستواء الحالتين بالنسبة إلى دليل السببيّة ، فإن اقتضى السببيّة فالقول بالمعرفيّة لا وجه له ، وإن اقتضى المعرفيّة فلا وجه للقول بالسببيّة.
وتوضيح ذلك : أنّ الأسباب الشرعيّة ليست إلاّ كالأسباب العقليّة سواء كانت من جنس واحد أو من أجناس مختلفة ، لرجوع الكلّ إلى سببيّة القدر المشترك ، ضرورة امتناع اجتماع العلل على معلول واحد ، فإذا تواردت على شيء واحد غير قابل للتعدّد يمتنع تأثير الثاني ، لامتناع تحصيل الحاصل لو كان الأثر هو الأثر الحاصل بالأوّل ، وامتناع اجتماع الأمثال لو كان غيره ، فعدم تأثير السبب الثاني ليس بواسطة تصرّف لفظي في دليل السببيّة كما هو المشاهد في الأسباب العقليّة ، بل بواسطة عدم قابليّة المحل لحصول الأثر ، وذلك لا يقضي بالكاشفيّة (٤) ، فلا وجه للقول بأنّ السبب كاشف. نعم ، هو سبب شأنيّ لمقارنته
__________________
(١) الفصول : ٣٨٥.
(٢) في ( ع ) و ( ط ) : « السبب » وما أثبتناه من المصدر.
(٣) تقدّم في الصفحة : ٥٩.
(٤) في ( ع ) : « لا يقتضي الكاشفيّة ».