فإن قلت : على تقدير التعدّد لا بدّ من تقييد إطلاق المسبّب أيضا ، فإنّ المطلوب في الثاني ليس نفس المطلوب في الأوّل ، بل لا بدّ أن يكون مغايرا ، فيؤول الأمر إلى القول بأنّ المطلوب هو الفرد المغاير للفرد الأوّل المطلوب بالسبب الأوّل ، ولا شكّ أنّ ذلك تقييد ، وأصالة الإطلاق محكّمة عند الشكّ.
قلت : نعم ، ولكن ذلك التقييد ليس في عرض ظهور دليل السببيّة في الفعليّة ، بل إنّما يقضي به العقل بعد الأخذ بذلك الظهور.
وتوضيح المطلب : أنّ الاستناد إلى الإطلاق ليس بواسطة عدم البيان وانتفاء ما يقضي التقييد ، وبعد وجود ما يصلح له لا وجه للقول بمعارضة ظهور الإطلاق لظهور ذلك الصالح ، فإنّه بيان له كما قرّر في محلّه ، فبعد ما فرضنا من ظهور دليل السببيّة في الفعليّة لا بدّ من ذلك التقييد ، لأنّ ذلك الظهور دليل على التقييد.
ومن هنا يظهر أنّه لا يقاس حال الأوامر الابتدائيّة بما نحن بصدده ، فإنّ مجرّد قابليّة الفعل المتعلّق للأمر لا يقتضي التعدّد كما هو الحال فيها ، بل لا بدّ من أمر آخر يقضي به ، كما في تعدّد الأسباب ، فظهر الفرق وبطل القياس.
ومن الغريب! ما وقع عن بعض الاعلام (١) : من تسليم ظهور الأوامر الابتدائيّة في التعدّد دون ما نحن فيه ، مع ما عرفت من أنّ التحقيق على خلافه.
ثم إنّه بما ذكرنا أيضا يظهر فساد ما توهّم بعضهم (٢) : من أنّ المسبّب الثاني لا بدّ أن يكون مغايرا للمسبّب الأوّل ؛ إذ على تقدير التغاير يلزم استعمال اللفظ في
__________________
(١) وهو صاحب هداية المسترشدين كما سيجيء في الصفحة : ٧٢.
(٢) عوائد الأيام : ٣٠٠ ، العائدة ٣١.