|
في قلبه نور الهداية وبدا له أنّ الناصر والرازق والمؤثّر هو الله وأنّه الفعّال لما يريد ، فساق إليه الآمال وقصر عليه الاتكال ، واستغفر من ذلك الوهم الفاسد. وبالجملة فلمّا وصل إليه نبأ [ وفاة والده ] ، استأذن الشيخ العلاّمة في العود إلى البلد ، لمعالجة الأود ، ورفع الكرب والكمد ، فأذنه فيه. فوصل إلى مضرب خبائه ، وسكن عند سكن فنائه ، ونظم أموره ، وواسى جرحه ، وكاد أن يفرغ عن أشغاله ، وأخذ في أداء ديون أبيه ، وردّ ما اؤتمن لديه إلى صاحبيه ، وسائر ما أوصى به ، وقلّده أمره ، فشغل تلك الأشغال عن العلم دهره ، وأصبح نائيا عن التدريس والتدرّس ، ورمي بسهام البلايا ولم يعمر بعد إلاّ عشرين وخمسا. ثمّ اختار الأهل والعيال ، وتزوّج كريمة من الأهل والآل ، فما مضى من ذلك إلاّ شهران أو ثلاثة حتّى أنسر الشوق فيه بغاثه ، فركب الأسفار واقتحم الأخطار ، تاركا لذّة العيش في حرّ الهواجر ، إلى مأنسه النجف. فسوّى [ في النجف الأشرف ] تسع سنين ، والدهر عليه بيسير الخير والعلم ضنين وغير ضنين ، يعاني لوعة الفاقة ، يصل النهار بالليل ، وهو على الاشتغال [ بالعلم ] هامر السيل ، لا يلتفت إلى نصب ودعة ، أو ضيق وسعة ، لكثرة اهتمامه بالعلوم ولتشرّفه بظاهر لقيا الشيخ الأعظم وزاهر محيّاه ، فإنّ كلّ الخير كان مستودعا في لقياه. وفي أوائل تلك السنين التسعة ، شدّ بعزم زور بيت الله ، وحيث كان بحسب الشرع مستطيعا ، ولكن لم يك بيده ما يكون للغلّ نقيعا ، باع أكثر كتبه التي كان يدور من تحصيله عليها الأمور ، وفي جملتها كانت نسخة من الفصول الغروية ، علّق عليها حواشي يعجز عنها كلّ ذي رويّة ، فباعها لكثرة الاضطرار ، إلاّ أنّه قد يخفّ مثلها على الهميم ، أن كان ذلك لتحصيل مقام كريم. ولمّا عاد من سفره [ حج بيت الله الحرام ] ، واستضاء من ندى شيخه بغرره ، ومضى من ثوائه خمس سنين ، اقتضى بعض مصالح الدنيا والدين أن يبعث إلى أهله ، فأقبلوا إليه موجفين ، فهو وإن انفتح عليه باب من الراحة ، إلاّ أنّه ضاق عليه |