|
كتم العدم إلى منصّة الوجود ، وكان لمّا عزم على الرحيل أوصى إلى سكنه والأهل أنّ هذا الجنين إن كان من البنين فسمّوه أبا الفضل ، وتفأّل بذلك لنجاتي إن شاء الله من ظلمة الجهل. وبالجملة فلمّا استكمل السنين الثلاث ، أتاه الأهل والأثاث ، فما مضي واحدة حتّى نمّ رقيب الدهر بينه وبين أحبّائه ، واعترت مصلحة أمره بها الشيخ العلاّمة بالعود إلى [ طهران ] ، فشمّر الذيل إلى دوره ، وأقبل مع الشيخ [ عبد الحسين ] حتّى وصل إلى دياره ، وهو يومئذ من يدعى أنّه أفضل أهل العصر المتقنين ، وسنّه الشريف لم يتجاوز عن أربعين. وهو عند ذلك شمس الفضل وربيع المرتاد ومرجع الأفاضل والأعلام ، وأبو الأرامل والأيتام ... ويكفي في فضله وشأنه ما قاله شيخه بين قوم يدّعون أنّهم من أقرانه ـ مع أنّ دأب الشيخ عدم تبجيل تلميذ له وإن جلّ مقداره ـ ، مع ذلك فكم نشر له [ من ] الفضائل في غواص النوادي وخواص المحافل. فلمّا حلّ بديار العجم ، وأرجع الليث منه إلى الأجم ، رمي بدره بالمحاق ، وشمله بالافتراق ، وضحاه بالبهم ، يصبح وهو مجنّ المحن وغرض البلايا ، ويمسي وهو منتحا الشدائد. فمن عظائم آلامه ، أنّه وقع في قوم لا يريحونه في ليل ولا يوم ، لا يزالون يهدون إلى جنابه كاسات الآلام والخطوب الفوادح ، وهو دام ظلّه يحلم عنهم ويقاسي أفعالهم ويبلّغهم من فضله آمالهم ، فهو كالجبل لا تضعضعه العواصف. وبالجملة فقد جرى عند حلوله [ طهران ] بينه وبين علمائها الكبار قصص وحكايات ، ومعارضات ومخاصمات ، ولا ينبغي تفصيل هذه القصص ، لما جرى فيها بينه وبين خلاّنه وأصحابه ورفقائه من كدرة لم يكن عليها خفاء ، وإن تبدّلت في هذه الأواخر بعضها بالصفاء ، إلاّ أنّها تحوي على عجائب إذا رآها البصير ووعاها الخبير ذهب عقله. ثمّ إنّه في أيّام إقامته في تلك الربوع الندية والمشاهد الزكية ، وفي أوقات إناخته في محطّ رحله ومحلّ أهله ، صنّف زبرا ودفاتر ، فحقّق ونقّح وشرح وصرّح |