|
واستأنف ما كان وجهه قلب همّته من تنشّق عرار الفضائل والعلوم ، حتّى مضى قريب من أربع سنين ، وتعلّم في تلك المدّة ولم يذرّف بعد على العشرين ، أمّهات المعاني والأصول والفقه والمعقول ودقائق علم الكلام والحكمة. وكان جلّ تحصيله في تلك المدّة عند صدر الفلاسفة وبدر المتألّهين أبي محمد عبد الله الزنوزي مدرّس المدرسة الفخريّة بدار الخلافة [ طهران ]. ثمّ أزمع على التشرّف بكربلاء فصاهى هوج اليعملات حتّى أبركت ركائبه لديها فحضر عالي حضرة السيّد المنيف والعلم المرصوص الأساس ، العلاّمة العليم ، السيّد محمد إبراهيم القزويني صاحب ضوابط الأصول ، فاشتغل عليه برهة من زمانه حتّى حاز من فضله نصيبا. ثمّ اتفق إياب موكب الشيخ الأكبر الأشهم الأحشم الشيخ مرتضى الأنصاري الذي في حجر تربيته نشأ ومنه جلّ ما لديه تعلّم إلى النجف الأشرف ، فلمّا أتته البشارة بوروده قلقل بقوده الشماليل حتّى أناخ بحضرته العليّة ، وأقام بروضته الندية ، ففاز من علمه بمعلّى القداح ، وشمّر في خدمته ذيله ، وصرف إلى الاستفادة منه يومه وليله ، فصار إمام الفقه المجلّل ، وإكليل الكمال وتاجه المكلّل ، لم يكن في أكفائه من يباريه ، ومن أشهر تلامذة الشيخ الأنصاري العلاّمة السيّد محمد حسين [ الكوهكمري ] والعلاّمة السيّد الميرزا محمد حسن الشيرازي والعلاّمة حبيب الله الرشتي والعلاّمة عبد الرحيم النهاوندي ، وبالجملة فهؤلاء الأربعة إذا انضمّ شملهم بوجود [ شيخنا الوالد ] صاروا في كساء الفضل خمسة ، يتحيّر اللبيب من فضلهم ، تجمّلت بهم المحافل ، سارت تصانيفهم في الآفاق ، وأذعن لهم بالتسليم أهل الخلاف والوفاق ، بهم ينكشف ظلم الأيّام وترتفع أعلام الإسلام. وبالجملة فقد أطبق أرباب الفضل أنّه لم يجتمع في عصر من الأعصار مثل ما اتفق في حوزة الشيخ الأنصاري من الفضلاء ، حتى مضى القضاء بوفاة الشيخ العلاّمة في سنة ١٢٨١ ق ، إلاّ أنّ الأربعة المذكورين قد نظمهم النجف الأشرف ، وجيده بهم تقلّد وأذنه بهم تشنّف ، لكن الوالد الماجد قد لفظته أدوار الزمان |