الثالث من وجوه تقرير الإجماع على حجّية أخبار الآحاد هو أنّ العقلاء بأجمعهم قد أجمعوا على الاتّكال بالخبر الواحد في أمور معادهم ومعاشهم وإن لم يكن محفوفا بقرائن الصدق بل إنّما وجدنا بعد الرجوع إلى طريقتهم والعثور على شريعتهم أنّ جبلّة كلّ عاقل لو خلّي وطبعه يقضي بذلك حتّى أنّ الزوجة ترجع في أخذ أحكامها إلى زوجها ، والصبيان إلى معلّميهم ، وليس ذلك من حيث عدم مبالاتهم بل هو قضية ما أودعه الله فيهم من السليقة القويمة والطريقة المستقيمة ، كيف ولولاه لاختلّ أمور دينهم ودنياهم ، ولم يعتمد أوّلهم على آخرهم (١).
لا يقال : إنكار جماعة من العقلاء جواز التعبّد به ينافي ما ذكر من إطباقهم على
__________________
أعمّ مطلقا من المفهوم ، كان اللازم تخصيص عموم عدم جواز قبول النبأ الموجب للندم من حيث كونه أعمّ من نبأ الفاسق ونبأ العادل الظنّيين بالمفهوم الذي مقتضاه جواز قبول نبأ العادل وعدم وجوب التبيّن فيه ، وحينئذ فلا يبقى تحت عموم التعليل سوى النهي عن قبول نبأ الفاسق الظنّي من دون تبيين.
قلت : يندفع هذا السؤال بنظير ما ذكرناه في العامّين من وجه ، وكأنّه مبنيّ على الغفلة عن ذلك.
وتوضيح ذلك : أنّ البحث عن جواز تخصيص العامّ بمفهوم المخالفة وجملته من مباحث التخصيص كمبحث ورود العامّ والخاصّ إذا تنافى ظاهرهما ناظرة إلى المخصّصات المنفصلة بأن يكون هناك دليلان متعارضان أحدهما عامّ والآخر خاصّ ، وأمّا ما لو كان أحد جزءي الكلام عامّا والآخر خاصّا ، فهو خارج عن المباحث المذكورة ، وإنّما هو مندرج في مبحث تعارض الأحوال المعتورة على كلام واحد مثل ما لو دار أمره بين ارتكاب التخصيص فيه أو المجاز أو غير ذلك من الأمور المذكورة في بابه ، فإذا عارض أحد جزءي الكلام الآخر ، كان المناط فيه تحرّي الأظهر منهما وتقديمه على الظاهر سواء كان هو الصدر أو الذيل ، ولا ريب أنّ التعليل أقوى من سائر أجزاء الكلام بحكم أهل التعارف قاطبة ، فيقدّم على غيره عامّا كان أو خاصّا ولو سلّمنا كون النزاع في مبحث تخصيص العامّ بمفهوم المخالفة.
(١) « ل » : أولاهم لأخراهم.