الامر الثاني :
قد تقرّر فيما تقدّم أنّ العلم فيما لو كان طريقا إلى الواقع ، فهو حجّة بنفسه لا يحتاج إلى جعل بل هو منجعل بنفسه ، فلا فرق بين أفراد العلم ، ولا المعلوم إلاّ أنّه قد يظهر من جماعة من أصحابنا المنتسبين إلى الأخبار ما يخالف ذلك ، فقد قال أمين الأخبارية في الفوائد المدنية في عداد ما استدلّ به على انحصار الدليل فيما ليس من ضروريات الدين في السماع عن الصادقين عليهمالسلام :
الدليل التاسع مبني على دقيقة (١) شريفة تفطّنت بها بتوفيق الله وهي أنّ العلوم النظرية قسمان :
قسم ينتهي إلى مادّة هي قريبة من الإحساس ، ومن هذا (٢) علم الهندسة والحساب وأكثر أبواب المنطق ، وهذا القسم لا يقع فيه الاختلاف بين العلماء والخطأ في نتائج الأفكار ، والسبب فيه أنّ الخطأ في الفكر إمّا من جهة الصورة ، أو من جهة المادّة (٣) ،
__________________
(١) « ش » : مقدّمة دقيقة.
(٢) المصدر : هذا القسم.
(٣) في هامش « ش » : قوله : « من جهة المادّة ». أقول : ولعلّ مراده من مادّة البرهان هو الوسط ؛ فإنّه هو المناط في إثبات الأكبر للأصغر على ما قدّمنا ، فإن كان محسوسا أو قريبا منه ، فلا يحتمل الخطأ بخلاف ما إذا لم يكن كذلك ، ولعلّ الوجه في عدم تكفّل المنطق لقاعدة بها تستعلم حال المادّة صحّة وفسادا هو أنّه قد تقدّم منّا أنّ دلالة شيء على شيء لا بدّ وأن تكون بواسطة ملازمة بينهما من علّية فيهما ، أو لاشتراكهما في علّة ثالثة ، فلو حاولنا إثبات محمول لموضوع في واقعة ، فلا بدّ أوّلا من ملاحظة ما يلازم أحد طرفي الحكم من الأكبر والأصغر ، فإن تنبّهنا لما هو لازم للأصغر ويستلزم الأكبر ـ كما هو الغالب في الاستنتاج ـ فهو الشكل الأوّل ، أو العكس فهو الرابع ، أو لما هو لازم لهما ، فهو الثاني ، أو بعكس ذلك ، فهو الثالث ، وعلى تقدير عدمه فيشكل الاستدلال وإن كان القياس استثنائيا أيضا كما لا يخفى ، والعلم بلوازم الأشياء أو ملزوماتها بحسب المصاديق ممّا هو خارج عن مقدرة البشر لاستحالة إيفاد قاعدة بها تستعلم حال المادّة صحّة وفسادا ، وذلك ظاهر لا سترة عليه ، فتدبّر وتبصّر « منه ».