اللهمّ إلاّ أن يوجّه الدليل المذكور بأوله إلى الدليل الرابع وبرهان الانسداد وأخذ المقدّمات المعتبرة فيه : من بقاء التكليف ولزوم التكليف بما لا يطاق لو كان المرجع بعده إلى تحصيل العلم ، ولزوم العسر لو كان المعتبر هو الاحتياط ، والخروج من الدين لو كان المعتمد هو البراءة ، فيتعيّن التبعيض بين الأمارات الموهومة والمشكوكة والمظنونة ، ولا ريب أنّ العمل بالظنّ في تلك التكاليف المجملة وبيانها بالمظنونات أولى من العمل بغيرها وإن كان لا يخلو من الضعف أيضا.
الثاني (١) من الوجوه العقلية الناهضة على وجوب العمل بمطلق الظنّ أنّ بعد ما أطبق أصحابنا الإمامية على التحسين والتقبيح العقليين والعلم بأنّ تشريع الأحكام إنّما هو لأجل الوصول إلى الواقع ، فلو ظنّ المجتهد بوجوب شيء ، فإمّا يعمل به ويطرح الطرف الموهوم ، أو لا يعمل بمظنونه بل يحمل عمله على موهومه ، والأوّل هو المطلوب ، والثاني يستلزم ترجيح المرجوح وهو الموهوم على الراجح وهو المظنون ، وذلك ممّا لا شكّ في قبحه وكذا بالنسبة إلى الشارع لو جوّز له العمل بالموهوم وطرح المظنون.
فإن قلت : إنّا نرى بالعيان ، ونشاهد بالوجدان ، تجويز الشارع لنا العمل بالموهوم ولا قبح.
قلت : ولعلّه لخصوصية في الموهوم ليست في المظنون ، وإلاّ لو فرضنا عدمها بل جوّز العمل به من حيث إنّه موهوم من غير خصوصية زائدة بها يصير راجحا على الطرف الراجح وهو المظنون ، فلا ريب في قبحه وعدم جواز صدوره من الشارع الحكيم ، ألا ترى أنّا لو حاولنا سلوك سبيل يوصلنا إلى مطلوب ، ولم يكن هناك (٢) مصلحة توجب الأمر بالموهوم مثل العلم بموافقته للواقع وغير ذلك ، وكان الطريق
__________________
(١) استدلّ به العلاّمة في النهاية وغيره كما في القوانين ١ : ٤٤٣ ؛ الفصول : ٢٨٦ ؛ هداية المسترشدين : ٤١١.
(٢) « ل » : هنا.