وأمّا على ما نراه من اعتبار الأخبار الموثوق بها ، فهو موكول على حصول الوثاقة ، فربّما يحصل الوثاقة لأحد دون غيره لاعتماده على القرائن الموجودة الخفيّة الغير الظاهر دلالتها ، فهو في المقام كالقطّاع في مقامه ، فباب العلم الشرعي على تقديره منفتح ، وربّما لا يحصل الوثاقة إلاّ في أقلّ من الموارد ، أو في جملة كثيرة منها لكنّه لا يبلغ حدّ الانفتاح ، فالانسداد على تقديره غير خفيّ.
وأمّا المقدّمة الثانية ، فضرورته (١) لا تكاد تخفى على أوائل العقول ، مضافا إلى الأخبار الواردة في مقام إثبات التكاليف ولو في الجملة ، مع أنّها مدلول عليها بجملة من الآيات الظاهرية الصريحة في ذلك ولا سيّما بعد كونها ممّا يسلّمها الخصم أيضا ، فلا نطيل الكلام فيها.
وأمّا المقدّمة الثالثة القائلة بأنّ المرجع بعد الانسداد في معظم الأحكام ليس هو البراءة ، فيدلّ عليها وجوه :
الأوّل : الإجماع القطعي ؛ فإنّا نعلم علما ضروريا حدسيا بأنّ أحدا من العلماء لا يفتي بذلك ، فلا ينافيه عدم كون المسألة معنونة في كلامهم.
الثاني : لزوم المخالفة القطعية على وجه قد عبّر عنها بعض (٢) متأخّري المتأخّرين (٣) بالخروج عن الدين بمعنى أنّ كلّ من تديّن بهذا الدين بل المنتحلين إليه يحكم حكما ضروريّا بأنّ العامل بها في عمله غير متديّن بهذا الدين بل المنتحلين إليه يحكم حكما ضروريّا بأنّ العامل بها في عمله غير متديّن بهذا الدين ، وعمله ليس منه ، والمنكر في ذلك بين مكابر معاند ، ومانع للصغرى وهو الانسداد الأغلبي كما هو المفروض زعما منه خلافه ، وقد تقدّم منّا ما يكفي عن ذلك.
ولا يذهب عليك أنّ بعد انسداد باب العلم وملاحظة الأدلّة الناهية عن العمل بالظنّ لا سبيل لنا في الأحكام الشرعية إلى العمل بأصالة البراءة ، فإنّ من المعلوم
__________________
(١) « ل » : فضرورية.
(٢) « ل » : ـ بعض.
(٣) انظر هداية المسترشدين : ٣٩٣ و ٤٠٢ ؛ مفاتيح الأصول : ٤٦٨.