الاشتغال على القول به وكذا الاستصحاب قد يخالف حكم البراءة ويقدّم عليها على ما هو المقرّر في محلّه ، فلا سبيل إلى القول بأنّ الاستصحاب ظنّي حيث إنّه (١) قد قرّرنا قطعيّته في محلّه.
وأمّا المقدّمة الرابعة القائلة بأنّ المرجع في أحكامنا (٢) بعد الانسداد ليس هو الاحتياط ، فيدل عليها وجوه ـ وإن قلنا بأنّ بعد العلم الإجمالي على التكليف لا بدّ من الاحتياط وتحصيل الموافقة القطعية ، وأمّا على القول بكفاية الاحتراز عن المخالفة القطعية في مثل المقام ، فالأمر أسهل ، ثمّ إنّه ليس المراد في المقام إبطال الاحتياط على حذو ما مرّ من إبطال البراءة وامتناعها بل يكفي في إثبات المطلوب عدم وجوبه وإن كان جائزا ، وجوازه يلازم جواز العمل بالظنّ وهو المطلوب ـ :
الأوّل : الإجماع القطعي ، فإنّا ندّعي أنّ جميع العلماء خلفا عن سلف مطبقون على عدم وجوب الاحتياط ، وليس ذلك من جهة انفتاح باب العلم لهم ، فيختلف الموضوع بل المدّعى اتّفاقهم على عدم وجوب الاحتياط في موضوع الانسداد على ما هو المفروض وإن لم يكن من أهل الإجماع من انسدّ له باب العلم ، كما أنّهم مطبقون بأنّ الحكم في موضوع المسافر القصر والإفطار وإن لم يكونوا مسافرين على حذو ما مرّ في الإجماع المدّعى في إبطال احتمال البراءة.
الثاني : لزوم العسر والحرج على تقديره ، واللازم منفيّ إجماعا في الشريعة السمحة السهلة ، وبيان اللزوم في العبادات واضح ؛ للزوم الإتيان بجميع ما يحتمل الوجوب ولو وهما ، وترك جميع ما يحتمل الحرمة كذلك وهو لو لم يكن في حدّ التكليف بالممتنع ، فلا أقلّ من لزوم العسر على تقديره.
وتوضيحه : أنّ المجتهد لو حاول الاحتياط في واقعة جزئية مثل الماء المتغيّر بالنجاسة بعد زوال تغيّره بنفسه ، فيوجّه عليه في مثل الواقعة فروع كثيرة ، ففي مقام
__________________
(١) « ل » : إنّا.
(٢) « ل » : أحكامه.