لا إجمالا ولا تفصيلا ، والقول بالتقييد إنّما يتمّ لو قلنا بأنّ التعبّد شرعي لا عقلي ، وقد ظهر ممّا مرّ فساده بما لا مزيد عليه ، مضافا إلى أنّ التقييد على تقدير ثبوته أيضا ممّا لا يخيّل كما مرّ.
ثمّ إنّ ممّا مرّ في بيان هذا الوجه يظهر وجه آخر في عدم جواز اعتماد القاضي على الظنون المستعملة في استكشاف حكم الواقعة التي ترافع المتخاصمين إليه ، فإنّ القاضي لا بدّ وأن يعتمد على مداليل الطرق الخاصّة المقرّرة عنده ، ولا يجوز له التوصّل إلى الواقع ؛ لقوله : « نحن نحكم بينكم (١) بالظاهر ، والله أعلم بالسرائر » (٢) ولما روي أنّ عالما من علماء بني إسرائيل قد ناجى إلى الله : يا ربّ ، كيف أقضي بين الناس بما لم تره عيني ، وسمعه أذني؟ فألهمه الله : اقض بين الناس بالبيّنات ، وأضفهم إليها باسمي (٣).
وقد أورد في التعليقة أيضا وجهين آخرين لا بأس بنقلهما وبيان ما يرد عليهما.
الأوّل منهما تحريره موقوف على تمهيد مقدّمات بعد توضيح منّا (٤) :
الأولى : أنّ مجرّد العلم الإجمالي كاف في تنجّز التكليف على المكلّف كما تقدّم ، ويدلّك عليه ـ مضافا إلى ما عرفت ـ إجماع الفرقة مع قضاء ضرورة العقل به ، ولم نعرف في ذلك مخالفا إلاّ ما قد يظهر من المقدّس الأردبيلي (٥) ومن اقتفى أثره (٦) في أنّ الواجب بعد العلم هو الفحص وتحصيل المعرفة بالواجب وتشخيص الحرام لا
__________________
(١) « ل » : ـ بينكم.
(٢) لم يرد في الجوامع الروائية من الخاصّة والعامّة ، وحكم جماعة من العامّة بأنّه لا أصل له كما في كشف الخفاء ١ : ١٩٢ / ٥٨٥. وورد مرسلا في غيرها ، ومن كتب الخاصّة ورد في مختلف الشيعة ٦ : ٩٩ ، و ٩ : ٣٠٧ ؛ ايضاح الفوائد ٣ : ٤٨٦ ، و ٤ : ٣٢١ ؛ جواهر الكلام ٤٠ : ٤٩٨ وغيرها.
(٣) الوسائل ٢٧ : ٢٢٩ ، باب ١ من أبواب كيفية الحكم ، ح ١ ، وفيه : أنّ نبيّا من الأنبياء شكا إلى ربّه القضاء ... وأضفهم إلى اسمي يحلفون به.
(٤) « ل » : ما.
(٥) مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ١١٠.
(٦) مدارك الأحكام ٢ : ٣٤٤ ـ ٣٤٥ ؛ ذخيرة الأحكام : ١٦٧ ، ونقله عنهم في بحث مقدّمة الواجب من المطارح ١ : ٤١٧ ، وسيأتي عنهم في بحث البراءة : ٥٠٠ و ٥٨٠.