مضرّا ، يصحّ له الحكم باللزوم.
ومنها : أنّه من أراد المسافرة إلى بلد كان له طريقان متساويان من جميع الجهات ولكن يسافر بعض أحبّائه من أحدهما ، فلو اختاره أيضا المسافر ، لم يرتكب ترجيحا بلا مرجّح ، ولكنّه لو حكم بتعيّن (١) هذا الطريق المسلوك (٢) ، احتاج إلى دليل. قال :
وبالجملة ، جميع الموارد كذلك ، والحكم بلا دليل غير الترجيح بلا مرجّح (٣). انتهى ملخّصا ومحرّرا.
وأنت خبير بفساده في الغاية ، وكساده في النهاية ، وبيانه يتوقّف على تمهيد مقدّمة وهي أنّ من الأمور الجلية ـ التي لا يكاد يعتريها ريب ـ بطلان ترجيح الفاعل أحد طرفي الفعل الممكن صدوره منه ، وعدمه على الآخر بدون مرجّح خارج عن الفعل والإرادة في نظره ، والمراد من المرجّح هو ما يخصّص ويعيّن وجود الفعل ، أو عدمه بالوقوع فلو لم يصل الترجيح حدّ الوجوب على وجه يمنع من الطرف الآخر ، فلا محالة (٤) يجوز مع هذا الترجيح الطرف الآخر ، فعلى هذا لم يتعيّن الأوّل بالوقوع ، فالطرفان مع وجود المرجّح لم يخرجا عن حدّ إمكانهما ، ولم يبلغا درجة الوجود ، أو العدم ، فيحتاج في أحدهما إلى مرجّح آخر ، فما (٥) فرضناه مرجّحا يلزم أن لا يكون مرجّحا ، هذا خلف. ومع ذلك فنقل الكلام إلى المرجّح الآخر ، وهكذا إلى أن يتسلسل ، فالمرجّح في وجود الفعل وصدوره عن الفاعل لا بدّ وأن يكون بحيث يجب معه صدور الفعل منه ، ويمتنع جميع أنحاء عدمه ، ويمتنع معه صدور الفعل منه ، فإنّ الشيء ما لم يجب في نظر الفاعل لم يوجد في الخارج ولو وجودا علميا ، وما لم يمتنع لم يعدم ، وهذا ممّا قد اتّفقت عليه كلمة العدلية ، والمخالف في ذلك لا يعدّ في زمرة العقلاء
__________________
(١) المصدر : بتعيين.
(٢) في المصدر : للسلوك.
(٣) عوائد الأيّام : ٣٩٥ ـ ٣٩٧ ، عائدة ٤١ في بيان بطلان حجّية مطلق الظنّ.
(٤) « ل » : فلا حجّة.
(٥) « ل » : ما.