فالمرجّح في أمثال المقام لا بدّ وأن يكون دليلا وهو المطلوب ، فسقط ما زعمه من الفرق بينهما.
ثمّ إنّ في المقام مسلكا آخر في بيان عدم حجّية مطلق الظنّ بل لو كان حجّة ، فالظنّ الذي لم يقم على عدم حجّيته ظنّ كما يظهر من بعض الأعاظم من أنّ الحجّة بعد الانسداد هو الظنّ الذي لم يتعلّق الظنّ بعدم حجّيته لا مطلق الظنّ.
وأورده المحقّق النراقي على وجه الاعتراض على الدليل مع اختلاف في بيانه ، وكيف كان فتحريره أن يقال : إنّ نتيجة البرهان على ما ستعرف في إخراج القياس هو كلّ ظنّ لم يقم دليل قطعي على عدم اعتباره ، والمفروض أنّ دليل الانسداد أوجب القطع بحجّية كلّ ظنّ (١) ، فلو قام ظنّ على عدم حجّية ظنّ ، فقد قام القاطع على عدم حجّية الظنّ (٢) الممنوع ، فإنّ المفروض اعتبار الظنّ (٣) المانع قطعا ، فالحجّة بعد الانسداد هو الظنّ الذي لم يتعلّق الظنّ بعدم حجّيته كالخبر الواحد مثلا بخلاف الشهرة والأولوية ؛ لقيام الشهرة على عدم حجّيّتهما.
ودعوى اختصاص حجّية الظنّ بالفروع قد فرغنا عن إبطالها وسيجيء ما يزيد التحقيق فيه.
فإن قلت : إنّ نسبة دليل الانسداد بالنسبة إلى الظنّ المانع والممنوع متساوية ، فلا وجه لترجيح الظنّ المانع بدخوله تحت الدليل على الظنّ الممنوع بخروجه عنه كما إذا كان هناك عامّ كقولك : أكرم العلماء ، وكان الامتثال بالعامّ في أحد أفراده موقوفا على عدم الامتثال بالنسبة إلى فرد آخر كما إذا كان إكرام زيد العالم في الواقع مرتّبا على عدم إكرام عمرو العالم ، فإنّه كما لا يحكم بتقديم أحدهما على الآخر إلاّ بعد دلالة دليل ، فإنّ الحكم بإكرام زيد العالم معارض بالحكم بإكرام عمرو ، ولا ترجيح
__________________
(١) سقط قوله : « لم يقم دليل » إلى هنا من نسخة « ل ».
(٢) في النسختين : ظن.
(٣) في النسختين : ظنّ.