لا يقال : لا يجري الاحتياط فيما دار الأمر بين المحرّم والواجب كما في المقام ، فإنّ بعض الظنّ إثم والعامل به آثم.
لأنّا نقول : إن أراد من الحرام الذاتيّ المنهيّ عنه بالخصوص كما في القياس ، فلا نسلّم حرمته ، لعدم دليل عليه ، وإن أراد من المحرّم ولو بعد اندراجه في عموم ما دلّ على حرمة العمل به ، فقد مرّ غير مرّة أنّ أوله إلى أمرين : أحدهما التشريع ، وثانيهما طرح أدلّة الأصول في مواردها من غير دليل يقضي به بعد (١) تعليقها بالعلم ، والاحتياط محقّق لموضوع لا يصدق عليه التشريع ، ولا يلزم طرح الأصول فيما إذا كانت نافية ، والظنّ مثبت للتكليف ؛ لعدم التنافي بينهما كما مرّ مفصّلا.
وأمّا الأصول المثبتة ، فالاستصحابات منها منقطعة بالعلم الإجمالي في مواردها بخلاف مقتضاها ، وأمّا الاشتغال ، فالاشتغال في المسألة الفرعية يعارض الاشتغال في المسألة الأصولية ، والأوّل مقدّم على الثاني كما تقدّم.
وأنت خبير بأنّ هذا الوجه لا يستقيم معمّما ؛ لأنّ تقديم الاشتغال في المسألة الفرعية عليه في المسألة الأصولية عين عدم العمل بالظنّ فيها ، والمقصود إثبات التعميم والعمل بالظنّ في موارد الاشتغال في الفروع أيضا.
ثمّ إنّه قد يتوهّم عدم تقديم (٢) الاشتغال في الفروع نظرا إلى تعارضه بالاشتغال في الأصول وليس كذلك ؛ لأنّ الاشتغال في المسألة الفرعية لا ينافي الاشتغال في الأصول.
وتحقيقه يحتاج إلى مقدّمة وهي أنّ وجوب العمل بطريق وأمارة كخبر زيد مثلا يتصوّر على وجهين :
أحدهما : أن يكون الأمر بالعمل به موجبا لوجوب عرضي فيما أخبر به ولو كان من المباحات أو المكروهات أو المندوبات كما إذا جعل أحدهما متعلّقا للنذر مثلا.
__________________
(١) « ل » : ـ بعد.
(٢) « ش » : تقدّم.