وإلاّ فلا بدّ من إلحاق المشكوك ، ثمّ الموهوم ، وحيث إنّ الاقتصار على السلسلة الأولى غير كاف في الفقه كلّه لا من حيث قلّتها ـ كما توهّمه بعضهم ـ إذ قلّما يتّفق خلوّ واقعة عن ظنّ مظنون بل من حيث تعارضها كثيرا بسائر السلاسل وقيام الظنّ الشخصي على خلافها ، فلا مناص من التعدّي إلى مشكوك الاعتبار ، ثمّ منه بالبيان المزبور إلى موهومه ؛ لوجود العلم الإجمالي كثيرا في كثير بمطابقة جملة من الاحتمالات ولو بعد انضمام معارضاتها بالواقع على وجه يلزم من الطرح في المقامين أحد المحذورين من العسر والخروج من الدين أو المخالفة القطعية.
لا يقال : لا ضير في قيام الظنّ الشخصي في الظنون المشكوكة والموهومة ؛ لأنّ العبرة بالظنّ النوعي ، فلا بدّ من العمل بسلسلة المظنونات ولو لم يفد ظنّا شخصيا.
لأنّا نقول : إنّ قضية دليل الانسداد لا تزيد على حجّية الظنّ الشخصي ؛ إذ مناط حجّيته هو الاطمئنان وهو مفقود في غير الظنون الشخصية ، وحجّية الظنّ النوعي تناسب (١) القول بالتعبّد وهو خارج عن التقدير.
نعم ، لو انسدّ باب الظنون الشخصية كما انسدّ باب العلم ـ أعاذنا الله منه ـ يتّجه القول بحجّية الظنون النوعية ومرجعها في الحقيقة إلى اعتبار الشكّ كما لا يخفى ، فظهر وجوب العمل بمطلق الظنّ في جميع سلاسله في صورة التعارض ، وأمّا في غير المتعارضين ، فيجب العمل بالظنون الشخصية الحاصلة منها ، إمّا لعدم الكفاية ، وإمّا لعدم القول بالفصل ، وأمّا الأولوية القطعية ، فإنّه إذا كان الظنّ معتبرا فيما إذا تعارضه ظنّ نوعي آخر ، ففيما لم يعارضه شيء بطريق أولى.
وفيه أمّا أوّلا : أنّ الظاهر من وضع الترتيب بين السلاسل من الأخذ بالمظنون أوّلا ، ثمّ المشكوك ، ثمّ الموهوم هو الميل إلى ما يحتمله القائل بحجّية الظنّ في الطريق ، أو ترجيح الظنّ بالظنّ كما سبق ، وعلى هذا يرد عليه ما قد تقدّم في ردّه.
__________________
(١) « ل » : يناسب.