الفروع على الاشتغال في الأصول ، بخلاف الأمارات المثبتة للتكليف ، فإنّها لا معارض لها ، فالظنون الفعلية غالبا فيها (١) ، وحيث إنّ القاضي في الاحتياط هو العقل ، فلا يحكم بترك الاحتياط في المظنونات ، وبالاحتياط في الموهومات كما أنّه لا يقضي بترك الاحتياط في السلسلتين بعد ارتفاع العسر الذي هو المانع في العمل بالاحتياط (٢) بالعمل بمظنون الاعتبار في الأمارات النافية للتكاليف ، وذلك ظاهر لا سترة فيه كذا أفيد. وللتأمّل فيه مجال كما لا يخفى على المتأمّل ، هذا تمام الكلام في التعميم على تقدير الكشف.
وأمّا على ما هو التحقيق من الحكومة ، فهل العقل ابتداء يحكم بحجّية الظنّ من غير ملاحظة مقدّمة أخرى غير المقدّمات المأخوذة في أصل الدليل ، أو يحتاج في الحكم بالتعميم إلى ملاحظة مقدّمة أخرى لبطلان الترجيح بلا مرجّح وإن لم يكن شاعرا بالملاحظة ، فكثيرا ما يحكم في قضايا كثيرة (٣) بواسطة مقدّمات خفية مع عدم العلم باستناد الحكم إليها ، وهو المسمّى بقضايا قياساتها معها.
والحقّ هو الثاني ، فإنّ مراتب إدراك العقل مندرجة بواسطة تدرّج مراتب مقدّمات الحكم ، ألا ترى أنّ العقل لا يدرك الإنسانية في الإنسان إلاّ بعد ملاحظة ما يفيدها من لوازمها ، أو ملزوماتها مع إدراك جسميّته بل وحيوانيّته أيضا ، فالعقل أوّلا بعد ملاحظة بقاء التكليف يحكم بالخروج عن عهدته ، وبعد سدّ باب العلم يحكم بتردّد بين الامتثال الإجمالي اللازم للاحتياط ، والخروج عن ربقة التكليف بالعمل بالبراءة والامتثال الظنّي بل ومطلق الامتثال ولو كان وهميّا ، وبعد ملاحظة عدم جواز الرجوع إلى البراءة بملاحظة المحاذير اللازمة على تقديرها يتعيّن الرجوع إلى الاحتياط والامتثال بغير العلم.
__________________
(١) « ل » : فيهما.
(٢) « ل » : والاحتياط.
(٣) « ل » : القضايا الكثيرة.