الامر الثالث :
قد يستفاد من تضاعيف كلمات جماعة من متأخّري المتأخّرين ـ ومنهم الشيخ الأجلّ فيلسوف القوم الشيخ جعفر في مقدّمات كتابه الموسوم بكشف الغطاء (١) ـ عدم حجّية قطع القطّاع. ولعلّ المراد منه ما لا يستند قطعه بأمارة تفيده غالبا ، وأمّا إذا استند إلى سبب مفيد له كالإجماع ، فلا ينبغي الارتياب في اعتباره.
ثمّ إنّهم إن أرادوا من عدم اعتبار قطعه عدم ترتّب أحكام القطع على قطعه فيما يعتبر فيه العلم الموضوعي بالنسبة إلى غير القاطع من عدم جواز تقليده وعدم قبول شهادته ، فهو في محلّه ، كما لو أريد ذلك بالنسبة إلى القاطع كذلك كالإفتاء والشهادة ، فلا يجوز له الإفتاء وإن كان يجوز له العمل به لكنّ الكلام على تقديره في انصراف الدليل الدالّ على اعتبار العلم في موضوع الإفتاء والشهادة إلى مثل المقام وعدمه على ما عرفت فيما سبق.
وإن أرادوا أنّ قطعه غير معتبر في حقّه بالنسبة إلى أحكام ما علمه المترتّبة عليه بواسطة عللها الواقعية على أن يكون طريقا إليه ، فسقوطه واضح ؛ لاستلزامه خلاف الفرض في وجه ، واجتماع النقيضين في وجه آخر ، والتكليف بما لا يطاق مرّة ، وتخصيص عمومات الأدلّة من غير مخصّص أخرى ، واللوازم بيّنة البطلان.
وأمّا الملازمة ، فلأنّه لو حصل له القطع بموضوع من الموضوعات (٢) للأحكام الشرعية كأن قطع بأنّ اليوم الفلاني من أيّام شهر رمضان ، فلا يخلو إمّا أن يجب عليه الصوم فيه ، أو لا يجب ، والأوّل هو المطلوب.
وعلى الثاني إمّا أن يكون مكلّفا بخلاف ما قطعه ، أو لا يكون مكلّفا به.
__________________
(١) كشف الغطاء ١ : ٣٠٨ ، وفي ط الحجري : ٦٤.
(٢) « ش » : موضوعات.