فما هو المناط في الاعتبار في المشكوكات موجود في هذا الموهوم ، هذا ما يقتضيه الجليّ من النظر.
وأمّا النظر الدقيق ، فلا يفرق في ورود الإشكال بين هذا المشترك ومذاق الحكومة كما تعرفه بعيد ذلك لكن على اختلاف ما بينهما.
وتوضيحه : أنّ بعد ما قطعنا النظر عن الاحتياط في كلّ المحتملات من حيث لزوم العسر على تقديره ، فلا بدّ من التبعيض فيها دفعا للمحذور كما عرفت ، وحينئذ فقد قلنا بأنّ العقل يستقلّ في إسقاط الموهومات عن سلسلة المحتملات ؛ لعدم الاحتياط فيها بالنسبة إلى العلم الإجمالي الدائر في جميع السلاسل ، وبالنسبة إلى العلوم الجزئية الحاصلة في الوقائع الخاصّة ، فالحكم بسقوط الموهومات مطلقا عقلي ، ولا فرق في نظره القياس وغيره من الأسباب حتّى قيل بأنّ موهومه ملحق بالمشكوك ، فتدبّر.
أمّا على تقدير حكومة العقل ، فالإشكال متّجه سواء قلنا بأنّ العقل أوّلا يحكم حكما كلّيا من غير حاجة إلى ضمّ مقدّمة أخرى ، أو قلنا بأنّ الحكم بالكلّية إنّما هو بعد ملاحظة بطلان الترجيح بلا مرجّح حيث إنّ الحكم هذا حكم واقعي مرجعه إلى العلم بعدم المرجّح كما في العلم ، وكيف كان فقد أوردوا لدفع الإشكال وجوها :
الأوّل ما أفاده المحقّق القمي (١) من منع حصول الظنّ من القياس وأشباهه فأكشف (٢) الشارع صراحة أو كناية عن حاله ، واستند في ذلك إلى وجهين :
أحدهما : أنّ مبنى الشرعيات على الجمع بين المختلفات والفرق بين المجتمعات ، فإنّ دين الله لا يصاب بالعقول الضعيفة ، ولا يستفاد من الآراء السخيفة ، فإنّ الحكم المستتبعة للأحكام لا يعلمها إلاّ الحكيم ، أو من هو من ربّه على صراط مستقيم ، ويكشف عن ذلك ملاحظة منزوحات البئر ، فإنّ البعير مثلا يخالف البقر مع اجتماعهما في غير الواقعة ، ووجوب الغسل للمنيّ دون البول ، وقضاء الصوم على الحائض دون
__________________
(١) القوانين ١ : ٤٤٨ ، و ٢ : ١١٤.
(٢) كذا. ولعلّ الصواب : فكشف.