تعليق في الحكم الحاصل من البرهان.
السادس : ما أفاده أستاذنا المرتضى دام علاه من أنّ حكم العقل بوجوب الأخذ بالظنّ حال الانسداد إنّما هو من حيث إنّ الظنّ أقرب إلى الواقع ، وبعد أنّ الشارع الحكيم العليم بخفايا الأمور قد كشفه عن حاله بتخلّفه عن الواقع بأنّ ما يفسده أكثر ممّا يصلحه ، وبأنّ السنّة إذا قيست محق الدين ، أنّ مناط حكم العقل ليس موجودا في الظنون القياسية وغيرها من أشباهها ، كما يرشدك إلى هذا ملاحظة أحوال العقلاء فيما إذا اعتمدوا على أمارة غير معتبرة واقعا مع تخيّلهم بملازمتها له ، فإنّه بعد ما ظهر لهم الحال من كثرة التخلّف ، فلا يعتدّون بها.
وأورد عليه سلّمه الله بأنّا وإن سلّمنا كشف الشارع عن حال القياس ، وكثرة تخلّفه عن الواقع إلاّ أنّ ذلك لا يوجب عدم حجّية ظنّه بعد حصوله منه ؛ إذ حكم الشارع لا يزيد (١) على إفادة عدم مطابقته للواقع نوعا والظانّ يحتمل أن يكون هذه الظنون الحاصلة في موارد الأقيسة من الأفراد النادرة المطابقة للواقع.
نعم ، كشف الشارع إنّما يتمّ في عدم حصول الظنّ منه على نحو ما يحصل من غيره من الأمارات ، فإنّه أقلّ فائدة من غيره ، لا أنّه لا يحصل منه الظنّ في وقت كما زعمه المحقّق القمّي ، أو بعد حصوله ليس معتبرا.
وبالجملة ، الظنّ الحاصل من القياس مرجعه إلى الاستقراء غالبا ؛ لأنّ (٢) استنباط الجامع إنّما هو منه غالبا ، وكشف الشارع عن عدم مطابقة هذه الغلبة للواقع نوعا لا ينافي مطابقة غلبة صنفه منها للواقع كما لا يخفى.
قلت : وهو كذلك نظير ما مرّ في حجّية القطع الحاصل من الأدلّة العقلية النظرية في قبال الأخباري ، فإنّ تطرّق الخطأ على ما استندوا إليه لا يوجب عدم الحجّية بعد حصوله ، وقد مرّ ذلك فيما مرّ بما لا مزيد عليه.
__________________
(١) « ل » : ـ لا يزيد.
(٢) « ل » : « إلاّ أنّ » بدل « لأنّ ».