السابع : ما أفاده الأستاذ أيضا وهو أنّ حكم العقل بحجّية الظنّ بعد الانسداد إنّما هو بواسطة نيل المكلّف بالمصالح الكامنة في الأشياء في موارده من حيث كشفه عن الواقع ، وكونه مرآة لملاحظة حال الواقع ، ولا ريب أنّ ذلك إنّما هو فيما لم يكن في سلوك سبيل الظنّ مفسدة فائقة على مصلحة الواقع ، وأمّا فيما كان فيه مفسدة فائقة عليها وعلمنا بها عقلا أو شرعا ، فلا شكّ في أنّ العقل حينئذ لا يلتزم (١) به بل يرى وجوب طرحه ، وترك التعويل عليه ، والركون إليه ، ولا تعارض بين الحكمين ، لاختلاف الموضوعين حقيقة عكس ما قلنا في قبال ابن قبة عند انفتاح باب العلم ، فكما أنّه لا قبح في العقول بتجويز سلوك سبيل ذي مفسدة ذاتية للوصول إلى مصلحة فائقة ، فكذلك لا قبح فيها يمنع اتّباع أمارة تفوق مفسدتها على مصلحتها تحرّزا عنها.
وفيه أوّلا : أنّ المستفاد من أخبار القياس التي هي العمدة في المقام هو المنع منه (٢) بواسطة فقد المصلحة الواقعية وعدم الوصول إليها ، وليس فيها من المفسدة الفائقة على المصلحة على ما تقرّر في الجواب عين ولا أثر ، بل لو كان ولا بدّ فيها من المفسدة ، فهو فقدان الواقع ولا دلالة فيها بوجه على أنّه على تقدير الوصول إلى الواقع ، فيعارضه المفسدة الكامنة في سلوكه.
نعم ، جملة من الأخبار الواردة في هذا المضمار مطلقة يكشف عنها الأخبار المقيّدة المبيّنة لها كما هو غير عزيز في أمثال المقام ، فإن كنت في شكّ ممّا تلونا عليك ، فلاحظ قول الإمام عليهالسلام دفعا لمقالة أبان : « يا أبان إنّك قد أخذتني بالقياس ، والسنّة إذا قيست محق الدين ، فإنّ دين الله لا يصاب بالعقول » (٣) ونحو ذلك ، وذلك ظاهر لا سترة عليه.
وثانيا : أنّه بعد ما عرفت من الاحتمال لا يستقلّ في إدراك حكم سائر الأدلّة الظنّية كالشهرة ، لاحتمال وجود المفسدة الفائقة على مصلحة الطريق فيه أيضا ، ولا يستقلّ
__________________
(١) « ل » : لا يلزم.
(٢) « ل » : ـ منه.
(٣) تقدّم في ص ٢٥.