الجهة الثانية (١) في تشخيص الخارج من الظنّين عند تدافعهما ، فنقول : قد يظهر من بعضهم تقديم الظنّ المانع على الممنوع ناظرا إلى أنّ خروج الممنوع حينئذ خروج موضوعي لا يوجب تخصيص العامّ العقلي بخلاف خروج المانع ، وقد عرفت فيما سبق ما فيه من الضعف والفساد ، وبيّنّا ما هو أقرب إلى السداد من أنّ الخروج في كليهما موضوعي ، وقد يحتمل تقديم الممنوع ؛ لأنّ المانع من وجوده يلزمه عدمه وهو ليس بسبب لبطلان الممنوع منه أيضا كما لا يخفى ، وقد يحتمل التساقط فيهما وهو أيضا قول بلا دليل ، والأقوى هو الرجوع إلى أقوى الظنّين ممنوعا أو مانعا ؛ لأقربيته إلى الواقع الذي هو المناط في الحكم بحجّية الظنّ ، وقد تقدّم جملة الكلام فيه عند بيان وجوه الترجيح ، فراجعه.
الرابع من الأمور التي ينبغي التنبيه عليها هو أنّ الظنّ في الموضوعات ـ المستنبطة منها الأحكام الكلّية الفرعية ـ حجّة بعد القول بحجّية مطلق الظنّ فيها سواء كان في تعيين الظواهر كالتبادر الظنّي والشهرة على وضع اللفظ لمعنى و (٢) الإجماع المنقول عليه ، أو تعيين المراد منها لقاعدة الاستلزام مع عدم تخصيص ظنّ بالحجّية ، فلا فرق في ذلك بين كون الأمارة قائمة على نفس الحكم الكلّي الفرعي ، أو على ما يستنبط منها ، فإنّ بعد ما علمنا ظهور الأمر الوارد عقيب الحظر في الإباحة ، أو علمنا بظهور الصعيد في مطلق وجه الأرض استنادا إلى نقل قول منهم ، أو شهرة قائمة عليه ، أو أمارة ظنّية كالغلبة والاطّراد مثلا يظنّ بأنّ الحكم الكلّي في التيمّم هو جواز التيمّم بمطلق وجه الأرض وإباحة الاصطياد بعد التحليل ، ولا فرق في ذلك بين كون الظاهر معنى حقيقيا للّفظ كما عرفت ، أو معنى مجازيا ظهورا ومرادا فيه كالشهرة القائمة على أنّ المجاز المشهور ظاهر في المعنى المجازي ، أو اللغوي مثلا ، أو المراد منه بواسطة أمارة ظنّية هو أحدهما بالخصوص ، وكلّ ذلك للاستلزام إلاّ أنّه ينبغي أن يعلم أنّ الاستلزام
__________________
(١) مرّت الجهة الأولى في ص ٢٦٨.
(٢) « ل » : ـ و.