إنّما هو ملاحظ بالنسبة إلى ذلك الظاهر من حيث نفسه وإن لم يكن الحكم الكلّي مظنونا لجهة أخرى مثل إعمال أصل تعبّدي كأصالة الحقيقة وأصالة عدم القرينة ونحوها ، مثلا لو ظنّنا بأنّ الصعيد موضوع للتراب الخالص للإجماع المنقول عليه ، نظنّ بعدم جواز التيمم بغيره لو لم يكن هناك أصل آخر يوجب إعماله رفع الظنّ كأصالة عدم التخصيص مثلا ، فالاستلزام بحاله سواء استلزم الظنّ بها الظنّ بالحكم الكلّي الفرعي فعلا ، أو لم يستلزم فعلا ، وإنّما استلزمه شأنا ، ولا ينافي القول بحجّية الظنّ في المسائل اللغوية ظهورا ومرادا ما تقدّم في تعداد (١) المستثنيات من الأصل الكلّي الأوّلي ، فإنّ عدم الحجّية (٢) هناك مبنيّ على القول بالظنون الخاصّة ، والحجّية هاهنا (٣) مبنيّة على القول بحجّية مطلق الظنّ ، ولا يذهب عليك أنّ اعتبار الظنّ في الدلالات إنّما يتأتّى بعد دعوى إجمال العمومات الواردة في الأخبار بواسطة وجود العلم الإجمالي كثيرا لورود مخصّصات كثيرة كما في العمومات الكنائية وإطلاقاتها والأخبار المتواترة على ما قرّر في محلّه ، وإلاّ فمجرّد عدم جواز الرجوع إلى الأصول العملية من البراءة وما يشابهما لا يسوّغ طرح الأصول اللفظية في قبال الظنون الراجعة إلى الدلالة كما هو غير خفيّ على المتأمّل.
الخامس ممّا ينبغي التنبيه عليه أنّه قد يظهر من بعضهم حجّية الظنّ في الموضوعات التي لا دخل للأحكام الشرعية فيها مطلقا.
قال المحقّق الثاني حاكيا عن أبي الصلاح على ما حكي عنه : « تثبت النجاسة بكلّ ظنّ ؛ لأنّ الظنّ مناط الشرعيّات » (٤). وقد ينسب إلى المحقّق القمّي أيضا ، والمشهور عدم حجّية الظنّ فيها وهو المنصور لنا : أصالة حرمة العمل بما وراء العلم مطلقا مع عدم ما يقضي بخلافها ، فإنّ الأدلّة القاضية بجواز الرجوع إلى الظنّ قد عرفت سابقا أوّلها
__________________
(١) « ل » : تعدّد.
(٢) « ش » : الحجّة.
(٣) « ل » : هنا.
(٤) جامع المقاصد ١ : ١٥٣ وحكى عنه في مفتاح الكرامة ١ : ٥٤٦ وفي مفاتيح الأصول : ٤٩٣.